يمثل سرطان الثدي تحديًا صحيًا عالميًا، ولتحدياته أثر واضح على دولة قطر حيث تتجاوز معدلات الإصابة والوفيات المتوسط العالمي للوفيات. وإدراكًا للحاجة الملحة لمعالجة هذه المشكلة، فقد انطلق باحثون من كلية الصيدلة وكلية الطب في قطاع العلوم الصحية والطبية في جامعة قطر في خوض رحلة ريادية للبحث عن علاجات مبتكرة لسرطان الثدي الثلاثي السلبي لأنه لا يستجيب للكثير من العلاجات المتاحة حاليا. وتأتي هذه الدراسة من التزام قطاع العلوم الصحية والطبية بالتطور الدائم في طرق البحث العلمي تم احراز انجاز تاريخي مميز وهو براءة اختراع لمركب علاج كيميائي جديد قائم على الشالكون والذي يشكل أمل جديد وواعد لمكافحة سرطان الثدي الثلاثي السلبي (TNBC).
يعد سرطان الثدي الثلاثي السلبي أحد أكثر أنواع السرطان عدوانية وصعوبة في العلاج، حيث أنه لا يستجيب للعلاجات الهرمونية، ولا توجد حاليًا علاجات متوفرة تقوم باستهدافه. وبالرغم من هذا، فقد شق الباحثون في قطاع العلوم الصحية والطبية في جامعة قطر طريقًا جديدًا للمضي قدمًا باكتشافهم المبتكر.
حيث قام الفريق البحثي الذي يتكون من خريجة الماجستير الصيدلة السيدة دانة الخليفة وأعضاء هيئة التدريس من كلية الصيدلة منهم الدكتور أشرف خليل، أستاذ في العلوم الصيدلانية، والدكتور فراس العلي، مساعد نائب رئيس الجامعة للبحث والدراسات العليا في قطاع العلوم الصحية والطبية، وأعضاء هيئة التدريس من كلية الطب منهم الدكتور علاء الدين المصطفى، أستاذ بيولوجيا الخلية، بدراسة إمكانية استخدام مركبات الشالكون كعلاج لسرطانات الثدي الغازي.
وقد استخدم الباحثون مركبات ذات استخدامات متعددة تسمى الشالكونات كنموذج لتصميم وتشييد 14 مركبا جديدا، أحدها هو مركب الشالكون DK 14. وأثناء قيام الفريق بالتجارب المعملية، تبين أن DK 14 له تأثير قوي، فقد أوقف نمو الخلايا السرطانية وحركتها ومنعها من التجمع كما أدى إلى موتها. وقد كان أداء DK 14 أفضل في مكافحة السرطان مقارنةً بأدوية السرطان الشائعة، ولكن المدهش في الأمر هو أن DK 14 يمكنه تحويل الخلايا السرطانية إلى خلايا طبيعية، مما يشير إلى أنه قد يكون علاجًا جديدًا واعدًا للسرطان.
كما قام العلماء بدراسة كيفية تأثير المركب على نمو الأوعية الدموية باستخدام عينة من أجنة الدجاج، حيث توصلوا إلى نتائج مذهلة، إذ تمكن مركب الـ DK 14 من إيقاف تكوين 60% من الأوعية الدموية الجديدة. ويُعد هذا أمرًا مهمًا لأنه يشير إلى أن DK 14 يمكن أن يبطئ انتشار السرطان. كما قام العلماء أيضًا باختبار DK 14 على فئران مصابة بسرطان ثدي شرس، حيث تمكن من خفض نمو الخلايا السرطانية بنسبة 50%. تتوافق هذه النتائج في التجارب على الحيوانات الحية مع ما لاحظه فريق البحث في المختبر، مما يشير إلى أن DK 14 قد يكون علاج فعال لحالات سرطان الثدي المستعصية.
وتتوافق هذه المساعي البحثية مع رؤية قطر الوطنية 2030، التي تؤكد على أهمية البحث والابتكار كدافعين لعجلة التقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي. وقد تم تقديم طلب براءة اختراع لحماية هذا الاكتشاف المبتكر، مما يمهد الطريق لتطويره واستخدامه في المستقبل.
وقد تم دعم هذا البحث مالياً من قبل جامعة قطر من خلال المنح التكاملية ومنحة البحث الطلّابي (QUST-2-CPH-2017-16 وQUST-1-CPH-2018-18) بالإضافة إلى دعم من قبل الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي (GSRA4-2-0418-17024).
وقام الدكتور أشرف خليل بمشاركة أفكاره حول الخطوات القادمة لهذا البحث الرائد، قائلًا: "رحلتنا لم تنته بعد فنحن ملتزمون بتطوير ما قمنا باكتشافه في مركب DK 14، حيث قمنا بتعزيز فاعلية المركب من خلال تطوير نسخة مصغرة منه باستخدام مادة تسمى الليبوزومات، التي تشبه حاويات صغيرة قادرة على حمل الأدوية، مما يساعدها على العمل بكفاءة أكبر. فيضمن هذا الابتكار فعالية الامتصاص للمركب بشكل أفضل داخل الجسم ليستهدف الخلايا المطلوبة".
وأضاف: " وفي الوقت نفسه، نحن نستخدم خبرتنا لتصميم وتشييد سلسلة من المركبات الجديدة ذات فعالية أكبر ضد مجموعة من السرطانات المختلفة، بما في ذلك سرطان البروستاتا وسرطان القولون والمستقيم وسرطان الثدي. كما نعتقد أن عملنا سيمهد الطريق أمام شركات الأدوية لتطوير جيل جديد من الأدوية القادرة على استهداف سرطان الثدي الثلاثي السلبي والأنواع الفرعية الأخرى من السرطانات".
ويمثل هذا الإنجاز الكبير فصلًا مهمًا في إرث قطاع العلوم الصحية والطبية في جامعة قطر في التميز في مجال البحث والتفاني في إيجاد حلول حديثة للتحديات الصحية العالمية المهمة. وبينما يتطلع العالم نحو مستقبل علاج السرطان، يقف قطاع العلوم الصحية والطبية في جامعة قطر بكل فخر في طليعة التقدم والاكتشاف.
لأية استفسارات تتعلق بهذا البحث، يرجى التواصل مع:
الدكتور أشرف خليل
أستاذ في العلوم الصيدلانية،
كلية الصيدلة، قطاع العلوم الصحية والطبية في جامعة قطر
akhalil@qu.edu.qa