تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي
تسجيل الدخول

محرر المحتوى

__NEWS_IMAGE_DESC__

"

الإسلاموفوبيا وجُذورها الدينية والثقافية في السياق الغربي " هو عنوان بحث نشره الدكتور بدران بن لحسن، الأستاذ المشارك والباحث، بمركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية - جامعة قطر في مجلة جامعة قطر للبحوث، حيث ناقش الباحث في هذه الورقة مناقشة مفهوم الإسلاموفوبيا وجذورها الدينية والثقافية في السياق الغربي، التي أنتجت خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. وذلك من أجل فهم الظاهرة في جذورها، وفتح باب المراجعة الثقافية؛ الدينية والفكرية الغربية نحو الإسلام، والانفتاح عليه، وتجاوز عقدة الحروب الصليبية، وبناء فهم علمي واقعي للإسلام والمسلمين لصالح التعاون الحضاري والعيش المشترك بدل الصراع.

وتجتاح ظاهرة الإسلاموفوبيا العالم شرقًا وغربًا، وتنتج خطاب كراهية ضد المسلمين؛ دينًا وأمةً وثقافةً وشعوبًا وحضارةً، جعلت المسلمين يعانون كثيرًا، ويواجهون صعوبات في بناء صلات حضارية وثقافية ودينية مع غيرهم من الأمم والحضارات والشعوب، وبخاصة في الغرب.

مصطلح الإسلاموفوبيا ومضامينه

مصطلح الإسلاموفوبيا من أكثر المصطلحات الشائعة الاستعمال، دون تحديد دقيق لها. وبالرغم من أن الخوف من الإسلام وكراهية المسلمين أمر قديم، فإن مصطلح الإسلاموفوبيا حديث نسبيًا. ولم يظهر هذا المصطلح إلا في الخطاب المعاصر مع نشر تقرير "الإسلاموفوبيا: تحدٍ لنا جميعًا" من قبل المنظمة البريطانية غير الحكومية (The Runnymede Trust) سنة 1997، حيث أورد التقرير أن من بين معاني الإسلاموفوبيا النظر إلى الإسلام أنه أدنى من الغرب؛ فهو همجي، غير عقلاني، بدائي، متحيز جنسيًا، عنيف، عدواني، يدعم الإرهاب، ويشارك في "صدام الحضارات" حتى صار ذلك يستخدم لتبرير الممارسات التمييزية تجاه المسلمين واستبعادهم والتضييق عليهم.

وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، شاع وانتشر أكثر في الولايات المتحدة وفي غيرها، ليصير بعدها شائع الاستخدام في الدوائر العامة والأكاديمية، وبِدلالات لا تجعل من الخطاب المندرج في ذلك السياق خطابًا ترحيبيًا بالمسلمين، ولا صديقًا لهم أو عادلاً في التعامل معهم، ولا إنسانيًا، ولا حواريًا، ولا متسامحًا، ولا قابلاً لوجود الإسلام والمسلمين. وتسبب في تشكيل صورة تمنع بناء جسور التواصل بين الإسلام والغرب، والحوار والتعاون والتعايش والاندماج في الحضارة الإنسانية. ولذلك فالإسلاموفوبيا "ظاهرة تسيء إلى الإنسانية جمعاء، وتتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان ومع أحكام القانون الدولي".

ولكن هذه الظاهرة ليست وليدة أحداث 11 سبتمبر 2001 فقط، بل لها جذور تمتد في التاريخ، وهي حصيلة عوامل متعددة دينية وثقافية وحضارية، وصيرورة تاريخية، أفضت إلى ما نشهده اليوم من تحول الظاهرة إلى خطر يهدد التعايش، بما يبثه من كراهية ضد المسلمين مبنية على مغالطات وأحكام جاهلة تعميمية تفتقد للمعطيات الصحيحة. وهذا يتطلب تحليل الجذور التي أدت إلى الإسلاموفوبيا وأنتجت خطاب الكراهية ضد المسلمين. وهذا ما حاولت هذه الورقة تناوله.

الجذر الديني للإسلاموفوبيا

اضطرب موقف الكنيسة من الإسلام منذ بداية انتشاره ولقائه بالمسيحية في مناطق عدة، ولكن الاتجاه الكنسي السائد هو تكذيب الإسلام، والسعي إلى التخويف منه، وزرع الكراهية نحوه، من خلال تشويه الإسلام ونبيه وكتابه والمسلمين وثقافتهم وحضارتهم.

ويعتبر الراهب يوحنا الدمشقي، رائد آباء الكنيسة في تشويه الإسلام، واستمر تأثيره إلى اليوم. وما نراه اليوم من استهزاء وسخرية في الغرب بالإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو تقليد بدأه يوحنا الدمشقي واستمر بعده إلى اليوم. وظل النصارى لعدة قرون يُظهرون صورة من الجهل، يصفها جون إسبوزيتو بقوله: "بدأ ارتباطنا بالإسلام من قاعدة من الجهل وكم هائل من الصور النمطية المقبولة على نطاق واسع حول الشرق الأوسط".

أما الحروب الصليبية فإنها من أكثر العوامل تشكيلاً للمخيال الغربي في تعامله مع الإسلام، ولا يكاد يتخلص من ذلك. بل صار هذا المخيال يوجه رجال العلم والسياسة وقادة الجيوش وعامة الناس، وبقي أثر تلك الروح الصليبية حتى القرن العشرين. وقد انتقلت هذه الصورة المشوهة إلى قادة الإصلاح الفكري والديني في أوروبا، ولم يسلم منها حتى مارتن لوثر، الذي لم يكد يخرج عن طريقة التهجم المبني على قلة معرفة بالإسلام وفي جو الصراع والمواجهة.

ونجد صداه حتى في العصور الحديثة مع شخصيات دينية لها أثرها في صناعة الوعي والفكر في الغرب. فقد استمر البابا بندكتوس السادس عشر في نفس الاتجاه المبني على تشوهات فكرية ومخادعات أخلاقية، وذلك في محاضرته المشهورة التي اتهم فيها الإسلام بمعاداة العقل، فهذا الموقف الذي وقفه رأس الكنيسة الكاثوليكية لا يكاد يختلف كثيرًا عن مواقف سابقة أو لاحقة من رجال الكنيسة.

والحقيقة أن الكتابات المتعصبة لبعض رجال الكنيسة لم تكن وليدة دراسة نزيهة للإسلام، بل كانت مبنية على افتراضات وتخيلات وأفكار مسبقة، وتحيزات، وغالبًا أكاذيب. فلم يدرس علماء النصارى الإسلام على أنه كيان مستقل، بل درسوه وفقًا لما يجب أن يكون، ووفقًا لوجهة النظر النصرانية، وهذه الكتابات هي التي وضعت الجذر الأول والقاعدة الأساس للفهم غير العقلاني للإسلام.

ولا يمكن التقليل من هذا الموقف من رجال الدين النصارى، والقول بأن الغرب قد زحزح المرجعية الدينية لحساب المرجعية الإنسانوية الحداثية. لأن هذا الموقف الكنسي في عمومه استمر، ووضع حدًا لفهم منفتح واع للإسلام، وأصبح الغرب في موقف معاد للإسلام إلى اليوم.

 الاستشراق: التأسيس المعرفي والثقافي لكره الإسلام والصراع معه

دخلت نظرة الغرب للإسلام مرحلة جديدة مع عصر النهضة الأوروبية في القرن 15، بلغت قمتها مع حملات الاستعمار الأوروبي، الذي وظَّف الاستشراق لتشكيل صورته عن الشرق والإسلام. وكانت معرفة الغرب للإسلام في هذه المرحلة - كما يذكر إدوارد سعيد - بغرض السيطرة عليه وليس فهمه، وتمت هذه العملية بطريقة مؤسسية، تعاونت فيه مؤسسات الفكر والمعرفة الأوروبية تعاونًا وثيقًا مع مؤسسات الاستعمار الأوروبية الرسمية بهدف مدَّها بالمعرفة اللازمة للسيطرة على المجتمعات المستعمرة.

فصار الاستشراق يمثل الجذر الثاني للإسلاموفوبيا، في بُعدها الثقافي الحضاري، وشكل أداة للاستعمار الغربي الحديث للعالم، وتركيز عقدة التفوق الغربي على العالم، والصراع معه، وبخاصة مع الاسلام الذي أدرك المستشرقون عدم قابليته للتطويع، فحذَّروا من أنه هو الخصم المستمر الذي يُشكِّل تحديًا للغرب، ومن هنا تشكَّل ذلك الهوس بالصدام مع الإسلام ومواجهته.

إن الاستشراق باعتباره حقلاً معرفيًا كان له دور مهم في تشكيل صور نمطية عن الإسلام في الغرب، وأسس للرؤية الاستشراقية التي شكلت المرجعيات الأساسية لمعظم الصور المسيئة للإسلام والمسلمين والتي غمرت التفكير الشعبي الأوروبي، فصارت تصنع الوعي الغربي عن الإسلام والمسلمين، وأفكار المستشرقين المبثوثة في مختلف قنوات الفكر والمعرفة والإعلام، تذهب إلى صانعي السياسة والقرار في الغرب، كما تذهب إلى الرأي العام عن طريق أجهزة متطورة للإعلام والدعاية ليؤكد صورًا نمطية أو يشوهها.

إن الاستشراق، من الجانب المعرفي والمنهجي، اعتمد التحريف المُمنهج والمتعمد للمصادر، واعتماد الخلفية المسبقة التي تؤطر كتابات المستشرقين عن الإسلام، وسلوك المبالغة والتهويل. ولم يتخلص إلى اليوم من تحيزاته وإخفاقاته وثغراته. مما جعل الاستشراق حقلاً مغذيًا للإسلاموفوبيا ولخطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين وكتابهم ورموزهم وحضارتهم وتاريخهم ووجودهم.

فالاستشراق بهذا السياق التاريخي الذي نشأ فيه، وبهذه المنظورات التي وضع نفسه فيها وأنتج من خلالها، يعد جذرًا رئيسًا في نشأة الإسلاموفوبيا. وكل الأطروحات التي طرحت ضد الإسلام مثل ارتباط الإسلام بالعنف والإرهاب، ومقاومة الإسلام للحداثة، وأطروحات الخطر الإسلامي الذي يهدد الغرب، وغيرها من أشكال ومظاهر الإسلاموفوبيا المتفشية في الغرب عمومًا، يغذيها كلها الجذر الديني والجذر الاستشراقي.

الأحكام المسبقة إلى المعرفة والتعارف والتعايش

من خلال تحليل مفهوم الإسلاموفوبيا، وجذورها؛ وبخاصة الجذر الديني والجذر الثقافي الاستشراقي، يتبين أن جذور الإسلاموفوبيا عميقة في التاريخ، وأنها تشكَّلت منذ اللقاء الأول بين الإسلام والمسيحية، ثم تراكمت عبر التاريخ الحضاري للغرب المسيحي في القرون الوسطى بفعل الموقف الديني لأكثر آباء الكنيسة، والغرب الحديث الذي أسس الاستشراق لمعرفة الشرق والهيمنة عليه وتشكيل صورة الشرق لدى الغربيين.

وتلك الجذور شكَّلت صورة الإسلام والمسلمين والحضارة الإسلامية في الوعي الغربي الرسمي والعام؛ صورة مشوهة، كريهة، مخيفة، مبنية على مواقف تنعدم فيها الموضوعية، وعلى جهلٍ بالإسلام وبالمسلمين. مما أثمر خطاب كراهية موجه ضد الإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية.

ولا حل لزوال خطاب الكراهية المقيت النابع من الإسلاموفوبيا إلا بتجاوز الأحكام التاريخية التي لم تعد واقعية ولم تكن يومًا كذلك. وذلك يكون بفتح باب المراجعة الثقافية؛ الدينية والفكرية الغربية نحو الإسلام، والانفتاح عليه، وتجاوز عقدة الحروب الصليبية، من أجل بناء فهم علمي واقعي للإسلام والمسلمين.  

رابط البحث: https://ejournal.um.edu.my/index.php/JAT/article/view/37594

من خلال الاستمرار في التصفح أو النقر على قبول جميع ملفات جمع البيانات "كوكيز"، فإنك توافق على تخزين ملفات جمع البيانات للطرف الأول والغير على جهازك لتسهيل تصفحك للموقع وتحليل استخدام الموقع والمساعدة في جهودنا التسويقية.