تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي
تسجيل الدخول

    التعدد القومي في الشرق الأوسط

    ​​

    نظّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانيَّة والاجتماعيّة بجامعة قطر بالتعاون مع جامعة ابن خلدون بتركيا ومركز الجزيرة للدراسات مؤتمرًا دوليًا في يومي 26-27 مارس 2019م بعنوان: "التعدد القومي في الشرق الأوسط: نحو إطار حضاري مشترك"، وكان اليوم الأول بقاعة المختصر في فندق ريتزكارلتون، في حين كان اليوم الثاني بمدرج مجمع البحوث، جامعة قطر. وشارك في المؤتمر عددٌ من الباحثين ببحوث علميّة ناقشوا من خلالها جوانب مختلفة من قضية القومية في الشرق الأوسط.

    وقد حضر المؤتمر سعادة الدكتور حسن راشد الدرهم، رئيس جامعة قطر، وعدد من سفراء الدول، وكبار المسؤولين، وأعضاء هيئة التدريس، والضيوف، والطلاب، والطالبات، والجمهور، وكان الحضور كبيراً.

    ويأتي هذا المؤتمر ضمن إطارَي المواكبة والأقلمة من أطُر مركز ابن خلدون، كمحاولة لتسليط الضوء على القوميات من حيث تفاعلها فيما بينها، وآفاق الاجتماع الحضاري المشترك فيما بينها.

    افتتح المؤتمر الذي أدارتْه الباحثة سارة علي الصلابي بتلاوة عطِرة من الذكر الحكيم للقارئ محمد علي الأبرش، وأعقب ذلك كلمة سعادة الدكتور حسن الدرهم، رئيس جامعة قطر، ركّز فيها على أهمية موضوع القوميات في الشرق الأوسط وسبل التعاون فيما بينها، وأن قضية المؤتمر من القاضايا المركزية في المشهد الإسلامي من بداية القرن العشرين، وأشار إلى أن "التنوع العرقي نمط من أنماط الاختلاف الذي يعدُّ سنةً إلهيةً في الاجتماع الإنساني، وسنة الاختلاف تنعكس إيجابًا في المجتمعات المتقدمة؛ فتشكّل ثراءً حضاريًا قادرًا على استيعاب الفروقات، والتباينات دون إقصائها".

    ثم بدأت الجلسة الافتتاحيّة المعنونة بـ "العرب والترك والفرس بين أغلال التاريخ وآفاق المستقبل" والتي ترأسها فضيلة الدكتور نايف بن نهار، مدير مركز ابن خلدون، وتحدث فيها كل من معالي رئيس الوزراء التونسي السابق/ حمادي الجبالي، وسعادة وزير الخارجيّة الإيراني السابق/ الدكتور كمال خرازي، وسعادة رئيس جامعة ابن خلدون/ أ. د. رجب شنتورك، وناقشوا قضية القومية وكيفية التعاون بين القوميات الموجودة في الشرق الأوسط في ضوء الأسئلة التي طرحها رئيس الجلسة، وهي تركزت على الآتي: هل تمثل قضية القومية مشكلة تحول دون التعاون بين قوميات الشرق الأوسط؟ وما سبل تلاقي هذه القوميات؟ وما دور القوميات المختلفة في هذه المشكلة؟ وكيف تدير دول المنطقة هذه المشكلة؟

    وقال الجبالي في حديثه: إننا بحاجة ماسّة إلى الانتقال من التنظير لمعالجة قضية القوميات إلى التطبيق الواقعي على أرض الواقع. كما أشار إلى أن هذه القوميات قد عاشت في وئام في ظل الهوية الإسلامية الجامعة، وأن ما يجري في العالم العربي هو تقسم المقسَم، وتالياً فهو لا يمكن أن يتحدث باسم العرب.

    وأكّد الدكتور كمال خرازي في حديثه على أهمية حوار شامل حول التحديات التي تواجها المنطقة، وإلى تعاون الجامعات فيما بينها في توعية الشعوب وحل النزاعات، ودور الإعلام في ذلك، كما أكّد على دور الإسلام في جمع القوميات المختلة تحت مظلة واحدة.

    وقال الدكتور شنتورك: إن الدولة العثمانية استطاعت أن تدير القوميات على أساس الإسلام، وأنها ورثت ذلك عمن سبقهم، ودعا إلى ما سمّاها بالحضارة المنتفحة التي تنفتح على جميع القوميات والحضارات والأمم والشعوب. وأن الأتراك يشعرون بحب تجاه القوميات الأخرى.

    ثم بدأت جلسات المؤتمر، وكانتْ الجلسة الأولى برئاسة الدكتور بكيل الزنداني حول المشاريع القومية في الشرق الأوسط: قراءة في الواقع والمآلات. وشارك فيها كل من الدكور محمود الحداد، أستاذ التاريخ في جامعة بلمند، لبنان، والدكتور رمضان إرداغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة اسكيشهير، والدكتور عبد الرضا فرجي داد، المدير العام للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، وعبد الحكيم خسرو، محاضر بكلية العلوم السياسية، جامعة صلاح الدين-أربيل.

    ورأس الجلسة الثانية التي تمحورت حول توظيفات القوى الإقليمية والدولية لقوميات الشرق الأوسط في العصر الحديث الدكتور راشد النعيمي، وتحدث فيها كل من الدكتور يونس محمد حول بحثه المعنون بـ "التوظيف الإيراني والأمريكي والإسرائيلي للمسألة الكردية في العراق"، والباحث محمد بهلول عن بحثه "استغلال القوى الكبرى للقومية الكردية في الشرق الأوسط: دراسة مقارنة بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية"، والدكتور قصي فالح عن "التأثيرات الإقليمية والدولية على القومية التركمانية: العراق نموذجاً"، والأستاذ الدكتور أحمد عبد الله آدم حول "دور القوى الدولية في دعم وتأييد القوميات في الشرق الأوسط: جنوب السودان أنموذجاً.

    وبذلك انتهت أعمال اليوم الأول من المؤتمر، وقد تميزت بمداخلات الجمهور على البحوث المقدمة، وأسئلتهم حولها..

    وبدأت أعمال اليوم الثاني بمحاضرة افتتاحية للدكتور علي محمد الصلابي بعنوان "الأسس الفكرية لتأسيس إطار حضاري مشترك بين القوميات الأربع"، ثم كانت الجلسة الثالثة للمؤتمر التي خصِّصت لدراسة عوائق التلاقي الحضاري وسؤال التاريخ، وقد رأسها أ. د. حسن السيد، وشارك فيها كل من الأستاذ الدكتور محمد آيدين ببحث معنون "عوائق الحضاري بين القومية التركية والقومية العربية"، والدكتور السيد علي الموسوي ببحث معنون "قوميات الشرق الأوسط بين الحضارة المشتركة وإشكالية الهوية" والدكتور براء نزار ببحث "إبراز التطورات العربية الحديثة تجاه تركيا والتوظيف السياسي لها"، والباحثة منال زهران.

    أما الجلسة الرابعة فرأستها الدكتورة حنان الفيّاض، وتركزت بحوث المشاركين فيها حول اللغة والهوية والمسألة القومية، وقد شارك في هذه الجلسة الدكتور منير حسين ببحثه المعنون "الحاجز اللغوي الثقافي بين قوميات الشرق الأوسط"، والدكتور فاروق أحمد ببحث "الإعلام الرسمي وسؤال الهوية في السودان: إقليم دار فور أنموذجاً"، وجاءت الجلسة الختامية لدراسة الأسس الفكرية لتشكيل الإطار الحضاري المشترك لقوميات الشرق الأوسط، ورأستها الأستاذدة ريم الحرمي، وتحدث فيها الأستاذ الدكتور مصطفى بخوش عن العرب والكرد والعلاقة المستقبلية الممكنة، كما فيها الدكتور مارك فرحا ببحثه "الإرث المنسي للوطن العالمي: استعادة الجذور العالميّة العابرة للمجتمع للعهد العثماني الغابر".

    وقد تخللت الجلسات كلها بتعقيب وملاخلات من الحضور على البحوث المقدّمة، وكذا الأسئلة حول القضايا المبحوثة، وختم المؤتمر أعماله في الساعة الخامسة مساء.

    وقد خلص المؤتمر إلى ما يلي:

    • إن قضية القوميات في الشرق الأوسط قضية معقّدة ومهمة في نفس الوقت؛ لأنها موجودة على أرض الواقع، بحيث لا يمكن إنكارها، ولا تغاضي الطرف عنها، ويجب أن تُوضع في الحسبان في أي سيناريو مستقبلي للمنطقة سياسيًا، أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا.
    • وجود أخطاء عديدة في التعاطي مع ملف المسألة القومية في الشرق الأوسط، وهي ما أدّت إلى ظهور الحركات القومية، كالحركة الطورانية، والقومية العربية، والقومية الكردية.
    • التأكيد على دور الإسلام الكبير في حلّ كثير من النزاعات القائمة على أساس القوميات والطوائف، بصفته يجمع بين أغلب مكوّنات القوميات في الشرق الأوسط.
    • التأكيد على ضرورة معالجة قضية القوميات داخل إطار الدولة، باعتماد حلول ومبادرات وطنية، وخيارات إقليمية تنبثق عن مشاركة تفاعلية من مختلف الفئات الفاعلة في المسألة القومية، مع تحمل الجميع مسؤولية ضمان الوحدة الوطنية لدول المنطقة، والوقوف ضد كل حركة تمرّد للانفصال.
    • احترام قيادة الأقاليم ذات الأغلبية القومية المعينة لقوانين الدولة وأنظمتها، والحكومة المركزية، وعدم التعاون مع الجهات الخارجية المعادية للوحدة الوطنية.
    • التأكيد على إدماج الأقليات القومية في البناء الوطني عن طريق توفير فرص المشاركة الفاعلة بين جميع أبناء الوطن، بغض النظر عن الانتماء القومي أو العرقي، وهو ما سيؤثر إيجابًا على تعزيز الانتماء الوطني والاستقرار.
    • الدعوة إلى مصالحة وطنية بين جميع القوميات في البلاد ذات التعددية القومية كالعراق، وإيران، وتركيا، وسوريا، وهذا يعني دخول ممثّلي الأحزاب السياسية، ومنظّمات المجتمع المدني، والشخصيات الفاعلة في بناء الوطن على أساس توافقي مشترك.
    • اعتماد الحوار في التعاطي مع المشاكل القومية الموجودة والمحتملة.
    • إعادة تقييم العلاقة العربية التركية وفق المتغيرات الإقليمية السياسية الجديدة، ووضع سياسات اقتصادية عربية تحقق التعاون مع تركيا؛ لتكون ركيزة من ركائز تطوير العمل المشترك بما يحقق التعايش والاندماج للقوميات الواقعة في منطقة الشرق الأوسط.
    • أهمية العودة النقدية لتاريخ العلاقات العربية التركية، والعلاقات العربية الإيرانية، ومجموع العلاقات المركبة بين قوميات الشرق الأوسط.
    • الإعلامية، والتمييز السلبي على أساس الانتماء الجغرافي/الإقليمي أو العرقي أو الديني، ومدّ جسور للتواصل مع الجميع بلغاتهم المحلية، مع الاستفادة من البدائل التي تتيحها التطبيقات الرقمية، بهدف الحد من النزعات الانفصالية أو المحاصصات الطائفية والقومية.
    • خطورة التهميش الحكومي الذي يسمح للتدخل الخارجي، وشرعنة وجوده، ومن ثُم ينبّه المشاركون في المؤتمر على أهمية تعزيز الشعور الوطني للقوميات، وزيادة الاهتمام بثقافتها المحلية، وموروثها الاجتماعي، ضمن سياسات الدول ذات التعددية القومية.
    • اعتماد سياسات تقوم على خيارات التمكين الثقافي والهوياتي لكل المكونات القومية الموجودة في المنطقة، وضمان حصانتها من الإغراءات الخارجية، وإبراز المشتركات الدينية والثقافية وغيرها، بالإضافة إلى اعتماد سياسة لغوية وإعلامية عادلة تمثّل جميع الفئات الاجتماعية.​