تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي
تسجيل الدخول

    دورة مقدمة في فقه التصورات

    ​​

    نظَّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر دورة علمية بعنوان: "مقدمة في فقه التصورات"، وذلك يوم الأحد، 29 صفر، 1444هـ الموافق 25 سبتمبر، 2022، وقد شارك فيها عددٌ كبيرٌ من أعضاء هيئة التدريس، والطلاب والطالبات، والجمهور العام.

    قدَّم الدورةَ الدكتور نايف بن نهار، مدير مركز ابن خلدون، حيث ألقى فيها الضوء على أهم القضايا المرتبطة بالتصورات، من حيث مفهومها، وأنواعها، والمصطلحات ذات الصلة بها، والتصور المهيمن في الوقت الحاضر، والبديل القرآني له، ومنهج القرآن الكريم في التعامل مع التصورات.

    بدأ الدكتور نايف حديثه بالإجابة عن السؤال الذي قد يُطرح في مثل هذا المقام، وهو: لماذا الحديث عن التصورات؟ فأجاب بأن التصورات مصدر كل شيء، سواء أشعر بالإنسان أم لا يشعر، وأنها بوابة الهيمنة على الإنسان، حيث يتغير الإنسان بتغير تصوراته، ومن هنا لا بد من الحديث عن التصورات.

    كما نوَّه المحاضر على العلاقة بين التصورات والمصطلحات، حيث إن الأخيرة هي التي تعبِّر عن الأولى وتصنعها، وأن هناك نوعين من المصطلحات؛ مصطلحات كاشفة، وهي تكشف عن تصورات المجتمع، ومصطلحات صانعة، وهي تكشف عن مواطن الخلل في وعي المجتمع.

    كما أشار الدكتور نايف إلى العلاقة بين التصورات والوعي؛ لأن الوعي هو الذي يكشف عن التصورات الصحيحة والفاسدة، وهو ينقسم إلى الوعي بالذات، فردًا أو جماعة، وإلى الوعي بالآخر فردًا أو جماعية كذلك، ثم تطرَّق إلى الحديث عن التصور المهيمن في العالَم المعاصر، وهو التصور الحداثي الذي يقوم على مجموعة من المرتكزات، وهي: أن الحقيقة تقوم على المادة، والمجتمع يقوم على الفردانية، والسلطة تقوم على الخلقانية، والسياسة تقوم على النتائجية، والسلوك يقوم على الليبرالية، والاقتصاد يقوم على الرأسمالية، والدين يقوم على المسيحية. غير أن هذا التصور السائد لا يتوافق مع الإسلام الذي يطرح بديلًا عنه، وهو التصور الراشد. وقد أجَّل فضيلة المحاضر الحديثَ عنه إلى محاضرة مستقلة؛ لأنه بحاجة إلى حديث مفصل.

    وقد ركَّز الدكتور نايف في القسم الثاني من الدورة على منهج القرآن الكريم في صناعة التصورات، حيث إن القرآن يجعل التصورات مدخلًا للتكليف؛ لأنه يكون شاقًا على المكلَّف. فعلى سبيل المثال، حين كلَّف الله تعالى الإنسان بالإنفاق، وهو شاق على الإنسان، أرجَعَه إلى تصور راسخ، وهو أنه أساسًا مستخلَفٌ في هذا المال، وتاليًا فهو ليس ماله، وإنما هو أمانة من الله تعالى لديه، قال تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ ‌مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: 7]، كما أشار القرآن الكريم إلى أن صحة التصورات تؤدي إلى صحة المعتقدات، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ ‌إِنَّا ‌خَلَقْنَاكُمْ ‌مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، فهذه الآية تصحِّح تصور الناس تجاه الإنسان، حيث إن البشر جميعًا من أصل واحد، وهذا يعني المساواة بينهم جميعًا، وهي الأرضية التي من خلالها يمكن التعارف على ما لدى الآخر، بحيث يزول جاحز الطبقية.

    وقد نبَّة المحاضر الكريم على أننا نتعامل عادة مع القرآن الكريم على أنه كتاب بركة، ولا نلجأ إليه لاستمداد التصورات والمناهج، مع أن القرآن الكريم لا يترك فكرة مهمة، لها أثر مفيد على الناس، إلا ويشير إليها، ويتناولها بطريقة مؤصَّلة، كما أن منهج القرآن الكريم في تناول التصورات يتسم بالشمول والإحاطة، حيث يرتبط بتصحيح التصورات المتعلقة عن الله تعالى، قال تعالى: ﴿‌تَبَارَكَ ‌الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢) ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾ [الفرقان: -1-3]، حيث بدأ بالتصور الصحيح عن الله تعالى، ثم أشار إلى التصور الخاطئ عنه سبحانه لدى بعض الناس؛ ليكشف عن زيف هذا التصور، وإرشادهم إلى التصور الصحيح، كما أن القرآن الكريم صحَّح التصورات الخاطئة المرتبطة بالملائكة، حين كان البعض يعتقدون أن الملائكة بنات الله، ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ ‌إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾ [الزخرف: 19]، كما صحَّح كثيرًا من التصورات الاجتماعية المتعلقة بالتنوع الطبقي بين الناس، ونظرة الناس إلى الحياة على أنها وردية، ولا يوجد فيها ابتلاء واختبار، بحيث ينزعج حين يواجه نوعًا من المصائب والنوائب، كما صحَّح القرآن الكريم تصوراتنا تجاه التاريخ، حيث جعله مناطًا للاعتبار، واستثمارَ أحداثه للاستفادة منها، كما صحَّح القرآن الكريم التصورات الخاطئة المرتبطة بالمنهج، وذلك من خلال مبادئ مهمة، منها: أن الكثرة ليست معيارًا للصواب، ﴿قُلْ ‌لَا ‌يَسْتَوِي ‌الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾ [المائدة: 100]، وأنَّ تعاقب الأمم على فكرة باطلة لا تجعلها صحيحة، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ ‌كَانَ ‌آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 170]، وغيرها من القضايا المنهجية التي أشار إليها القرآن الكريم.

    وقد استمرتْ الدورة لمدة ثلاث ساعات، تداخلتْها أسئلة من الأساتذة، والطلبة، والحضور.