تحظى العلوم الإنسانية والاجتماعية بأهمية كبيرة وموقع محوري في رؤية جامعة قطر للبحث العلمي، والتي تهدف إلى تلبية احتياجات دولة قطر البحثية في المجالات ذات الأولوية الوطنية، ومن ثمّ جعل العلوم الاجتماعية أحد الركائز الأربعة ذات الأولوية البحثية في الجامعة، بجانب الركائز الثلاث الأخرى التي تتمثل في الطاقة والبيئة، والصحة والعلوم الحيوية، وتقنية المعلومات والاتصالات.
ولكونه كيانًا تابعًا لجامعة قطر فإن مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية ينطلق من رؤية الجامعة، ويعمل في تطوير الجانب البحثي الخاص بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، وذلك لأن تقدم المجتمعات وازدهارها يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بحالة الوعي التي تعيشها؛ فكلما ارتفعت نسبة الوعي فيها تقدمت مسيرة التطور والازدهار والأمن والاستقرار، وكلما انخفضت نسبة الوعي انعكس ذلك سلبًا على المجتمع بجميع مكوناته. ولا يخفى أن العلوم الإنسانية والاجتماعية تحتل موقعًا محوريًا في بناء الوعي الفردي والجماعي، وذلك عن طريق استكشاف أساليب التفاعل وطرقه واتجاهاته بين الأفراد والجماعات مع بعضهم البعض من جانب، ومع مختلف مكونات الحياة من جانب آخر، من اقتصاد، وسياسة، ودين، وثقافة، وبيئة وغيرها.
ويسعى المركز إلى استكشاف هذا الوعي وتطويره عبر دراسة الظواهر الإنسانية والاجتماعية وتحليلها؛ لأن تطور المجتمعات لا يُختزل في التقدم العلمي والتقني وحده، بل يستلزم إطارًا فكريًا متماسكًا يساعد في فهم هذه الظواهر وتوجيهها والتعامل معها بوعي ونضج؛ فالتجارب التاريخية والواقعية أثبتت أن نمو العلوم التطبيقية وحدها، دون تطور موازٍ للعلوم الإنسانية والاجتماعية، قد يؤدي إلى اختلالات اجتماعية وثقافية وبيئية واقتصادية وسياسية كبيرة، ما يؤثر سلبًا على استقرار المجتمعات ومسارها الحضاري.
ومن هذا المنطلق، جاء تأسيس مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر عام 2018؛ ليكون مركزًا رائدًا يسعى إلى تطوير البنى النظرية للعلوم الاجتماعية والإنسانية المستوردة من الخارج وتوطينها؛ لتكون أكثر ملاءمة ومواكبة للاحتياجات العلمية لمجتمعاتنا، من خلال التعاون مع المؤسسات المرموقة والباحثين المميزين في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية على الصُعُد المحلية والإقليمية والدولية؛ للعمل على إنتاج المشاريع البحثية وتقويمها وإدارتها وتسويقها من خلال أربعة أطر استراتيجية أساسية، وهي: التجسير بين التخصصات المختلفة بتوفير حالة من التفاعل المنهجي بين فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية المختلفة؛ لتعزيز التكامل المعرفي الذي يخدم المعرفة الإنسانية، ويسهم في تقديم حلول أكثر فعالية لمشكلات الواقع المعقَّدة؛ والتوطين الذي يضمن مواءمة هذه العلوم مع واقع المجتمعات العربية والإسلامية واحتياجاتها المعرفية، ما يجعلها قادرة على إجابة أسئلة الملتقى العربي والإسلامي؛ والمثاقفة التي تفتح المجال للحوار والتفاعل بين الثقافات والحضارات المختلفة؛ للاستفادة من جوانب القوة الموجودة لديها، وإفادتها بما لدينا من جوانب القوة التي تثري واقعها المعرفي، والمواكبة للتطورات العلمية والفكرية لفهم الواقع وتطويره بما يتناسب مع التطورات الإقليمية والعالمية.
ويعمل المركز وفق قيم التميز، والتنوع، والاستقلال، والموضوعية، والتكامل، لتحقيق الأطر الاستراتيجية الأربعة الرئيسية وتنفيذ مشروعاته وأنشطته البحثية.
د. بدران بن لحسن
مدير بالإنابة لمركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية