يرتهن تقدم المجتمعات وازدهارها بحالة الوعي التي تعيشها بالمقام الأول، فكلما انخفض منسوب الوعي لدى المجتمع انعكس ذلك سلبًا على مسيرة المجتمع في صناعة التقدم والازدهار، وفي المقابل كلما زاد منسوب الوعي زادت مسيرة التقدم والتطور رسوخًا وثباتًا واستقرارًا. وتعدُّ العلوم الإنسانية والاجتماعية المسؤول الأول عن عملية بناء وعي المجتمعات الإنسانية؛ فمن خلالها تحدد المجتمعات طريقة تعاملها فيما بينها، وطريقة تعاملها مع سائر مكونات الحياة، ذلك لأن العلوم الإنسانية والاجتماعية تهدف إلى دراسة الظواهر الإنسانية والاجتماعية ورسم منهجية التعامل معها، وهذه الظواهر يتفاعل معها الإنسان يوميًا تأثرًا وتأثيرًا، فالإنسان لا يخلو يومه من التفاعل مع الاقتصاد أو السياسة أو الدين أو اللغة أو العلاقات الاجتماعية بتنوعها، وهذا التفاعل يتحدد بناء على وعي الإنسان المتشكّل تجاه هذه الظواهر. ومن هنا تأتي أهمية دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية باعتبارها المسؤول عن تشكيل الوعي الإنساني، والتي بازدهارها وتقدمها يزدهر ويتقدم الوعي الإنساني مما ينعكس إيجابًا في تعاطي الإنسان مع الظواهر الإنسانية والاجتماعية. ولذلك فإنَّ تقدم المجتمعات وتطورها ليس مرهونًا بتطورها في العلوم الطبيعية فقط، فقد يكون لازدهار العلوم التطبيقية انعكاسًا سلبيًا على المجتمعات الإنسانية إن لم تكن مؤطرة بإطار فكري سليم، والذي لا يمكن أن يحدث إلا بوجود تصوّر سليم تجاه الظواهر الإنسانية والاجتماعية التي تحيط بالإنسان، والتجارب الإنسانية تثبت خطورة نمو العلوم الطبيعية دون أن يتزامن ذلك من نمو للعلوم الإنسانية والاجتماعية.
ومن هنا جاءت فكرة مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، ليكون رائدًا في الوطن العربي في تطوير البنى النظرية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، من خلال ثلاثة أطر أساسية: التجديد، والمثاقفة، والأقلمة.