تعد النظريات ركنًا أساسيًا في بناء العلوم بما توفره من أطر تفسيرية تعين على فهم العالم وظواهره وأحداثه، والتفاعلات المجتمعية والفردية، كما أنها تعين الباحثين على صناعة الأسئلة الملائمة وتصميم المناهج الأكثر اقترابًا من موضوعاتهم البحثية. ورغم كون النظرية في العلوم الطبيعية محايدة ثقافيًا إلى درجة كبيرة، فإنها في المقابل تواجه تحديات ثقافية واضحة في العلوم الاجتماعية، ومن أهم تلك التحديات مدى إمكانية تعميم قدراتها التفسيرية بما يجعلها قادرة على التفاعل مع معطيات المجتمعات المستوردة لها.
إن مساءلة كفاءة النظرية تقتضيها ثلاثة عوامل أساسية: أولها اختلاف السياقات الثقافية الداعية لاستنبات النظرية، بما في ذلك القوى المؤثرة في التركيب الثقافي، والإيديولوجيا السياسية والاقتصادية التي استند إليها مؤسسو النظرية، واتجاهات المدارس الفكرية التي بلورتها. أما ثاني العوامل التي تسترعي النظر، فهي المرجعيات التي تستمد منها النظرية، وضرورة مراجعة تلك المرجعيات في سياق مرجعيات المجتمع العربي وفواعله. أما ثالث تلك العوامل، فهي أدوات الحاضر، حيث ما زال الباحثون في العلوم الاجتماعية يستندون إلى نظريات أنتجت في حدود القرن السابع عشر إلى التاسع عشر كنظريات مركزية (كبرى) لتفسير الواقع والظاهرة الاجتماعية، في الوقت الذي تتداخل فيه الظروف الاجتماعية بحالة الاقتصاد وحالة الثقافة وحالة السياسة لتنتج الواقع الراهن في خصوصيته العربية، وهو ما يستدعي تركيزًا أكبر على تطوير نظرية متقاطعة الاختصاصات، وتطوير منظور مستحدث للتفاعلية الرمزية في سياق رموز المجتمعات العربية.
طبيعة المشاركة البحثية في المؤتمر
يهدف هذا المؤتمر إلى الاستعانة بجهود الباحثين من مختلف المجالات الاجتماعية للبحث في مدى كفاءة النظريات في مختلف فروع العلوم الاجتماعية في تفسير ما يكتنزه الواقع العربي من أحداث وظواهر وتفاعلات، والهدف المباشر من ذلك اختبار مدى صلاحية هذه النظريات في السياق العربي، ومن ثم النظر في إعادة تموضعها في مجالي البحث والتدريس، وهو ما يأتي ضمن اهتمام مركز ابن خلدون بمشروع «توطين العلوم الاجتماعية» في العالم العربي. ويتطلع المؤتمر أن تتضمن الأوراق المشاركة به تعريفًا بالنظرية/ النظريات التي يسعى إلى مساءلة كفاءتها التفسيرية، وكذلك المقومات الأولية التي يعول عليها في المساءلة.