تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي
تسجيل الدخول

    أزمة العلوم الأجتماعية بالعالم العربي

    نظّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر مجلس ابن خلدون العلمي الثاني يوم السبت الموافق 23 فبراير 2019م بعنوان (أزمة العلوم الاجتماعية في العالم العربي)، وقد تحدّث فيه نخبة متميزة من أساتذة العلوم الاجتماعية، وحضره عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس والأكاديميين والباحثين والطلاب والطالبات والجمهور.

    وقد أدار المجلس فضيلة الدكتور نايف بن نهار، مدير مركز ابن خلدون، حيث رحّب في البداية بالمتحدثين والحضور، ثم ترك مجال الحديث للأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم أبي شوك، العميد المساعد لشؤون البحث والدراسات العليا بكلية الآداب والعلوم، جامعة قطر.

    قال الدكتور أبو شوك: إن الغرب المؤسِّس للعلوم الاجتماعية قد اعترف بوجود الأزمة فيها منذ سبعينات القرن الماضي، وقدّموا حلولا جادّة تناسب مجتمعاتهم، ولكن السؤال المطروح في عالمنا العربي هو: هل أزمة العلوم الاجتماعية العربية نابعة من إشكالات داخلية، أم خارجية؟

    والجواب في نظر أبي شوك، أن هذه الأزمة تجمع بين إشكالات داخلية وخارجية، وتتمثل مصادرها في الدولة والمجتمع، والمنهج التعليمي القائم على المناهج الكلاسيكية التي لا تستجيب مع تطورات العصر وإشكالات الواقع، وقضايا البحوث في العلوم الاجتماعية، حيث إن فضاءها ضيق جداً في العالم العربي.

    ويرى الدكتور أبو شوك أن الحل يكون بما يلي:

    1. إعادة تعريف العلوم الاجتماعية تعريفاً نقدياً داخلياً
    2. وضع المناهج والنظريات وفق احتياجات المجتمعات العربية
    3. إعادة الاتصال بين العلوم الاجتماعية ذات القضايا والموضوعات المشتركة، وهي المتمثلة في الدراسات البينية.

    ثم تحدّثت الدكتورة أسماء حسين ملكاوي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة قطر، وقالت: إن أزمة العلوم الاجتماعية تتمثل في استنساخ العلوم الاجتماعية الغربية دون مراعاة الخصوصيات العربية والإسلامية، والتنكر للتراث العربي الإسلامي، وعدم وجود نماذج فكرية متكاملة في هذه العلوم، وعدم ثبات النماذج الموجودة، وتنوع الموضوعات.

    وترى الدكتورة أسماء أن حل هذه الأزمة تمكن فيما يلي: الاستفادة من أفضل ما لدى الغرب من المناهج والنظريات والموضوعات، والبناء عليها بما يتناسب مع احتياجات مجتمعاتنا العربية الإسلامية وفق القِيم الدينية والمجتمعية.

    وركّز الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الأفندي، عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، على مظاهر أزمة العلوم الاجتماعية العربية، وهي - في نظره - تظهر في أن العلوم الاجتماعية الموجودة في العالم العربي كلها غربية من حيث الموضوعات والمناهج والأطروحات، وهناك أحكام مسبقة في هذه العلوم عن الأديان والمجتمعات غير الغربية، كما أنها متجردة عن الدين، لا سيما الإسلام، وفيها معايير غير موضوعية.

    وقال الدكتور الأفندي: إن العرب تأخروا في مجالات العلوم الاجتماعية، حتى القضايا ذات الاهتمام في عالمنا العربي والإسلامي كالدين واللغة نأخذها من المنظور الغربي، وقد أدى ذلك إلى ظهور أزمة حادة في العلوم الاجتماعية في عالمنا وتفاقمها.

    ثم تحدث الأستاذ الدكتور حامد قويسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن، في المجلس، وقال: إن أزمة العلوم الاجتماعية سياسيّة وعلمية في آن واحد، وأن النموذج التفسيري الشامل الذي نعتمد عليه لتفسير الظواهر الاجتماعية ثبت فشلها في التنبؤ لأحداث المستقبل، وتقديم الحلول المناسبة لإشكالات الواقع.

    ويرى الدكتور قويسي أن حلها يكون بمنهجية بديلة للتعامل مع العلوم الاجتماعية على مستويين: تجريبي وتجريدي، وأن النتائج المرتقبة لتطبيق هذه المنهجية تتمثل في إيجاد التراكم النوعي في نتائج العلوم الاجتماعية، والتوازن الكمي والكيفي في الإنتاج العلمي، وأداء الدور التفسيري والتنبئي والتحكمي الأفضل للظواهر الاجتماعية.

    ثم جاء حديث الأستاذ الدكتور التيجاني عبد القادر، رئيس قسم العلوم الاجتماعية بمركز ابن خلدون، في المجلس، وتطرق في حديثه إلى مفهوم الأزمة، وحالات العلوم الاجتماعية في العالمين الغربي والعربي، ونشأة العلوم الاجتماعية في العالم الغربي، وقال: إن العلوم الاجتماعية الغربية جاءت كردة فعل للأزمة السياسية الاجتماعية التي خلقها رجال الحكم والكنيسة هناك؛ لذا كانت هذه العلوم علمانية النشأة وبعيدة عن القيم الدينية والأخلاقية، كما أنها نشأت بمحاكاة تامة للعلوم الطبيعية، وقد أدى ذلك إلى تجزئة الظواهر الاجتماعية، ثم تحولت العلوم الاجتماعية الغربية إلى علوم قومية تخدم المصالح القومية لأصحابها.

    ويرى الدكتور التيجاني أن الحل يكمن في محاولة إنهاء التبعية العلمية للغرب، وهو لا يعني القطيعة مع الغرب، وإنما يعني دراسة هذه العلوم دراسة نقدية تشاركية، واعتماد الوحي – قرآناً وسنة – كمصدر للمعرفة، ولا أعني بذلك أحكام القرآن والسنة، وإنما أعني الأوصاف والمفاهيم التي جاء بها الوحي، والاستفادة منها لحل أزمة العلوم الاجتماعية في عالمنا العربي الإسلامي.

    وأخيراً تحدث الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر، وقال: إن العلوم الاجتماعية لها جانبان نظري وتطبيقي، وأزمة العلوم الاجتماعية في عالمنا العربي الإسلامي يكمن في جلب جانبها النظري دون التطبيقي من الغرب، وهو جانب متصادم مع قيمنا الدينية والأخلاقية في بعض الأحيان، ومن أسباب الأزمة أيضاً تسلط السلطات، وفقر المعلومات الضرورية عن الأبحاث العلمية في هذه العلوم، والنظر إليها من الجانب الاقتصادي المادي البحت، حيث إن النظرة السائدة في عالمنا العربي الإسلامي بأن هذه العلوم لا تدرّ الأموال لأصحابها.

    ويرى الدكتور الأنصاري أن الحل يكون بالتفاعل الإيجابي بين جانبي التنظير والتطبيق للعلوم الاجتماعية، كما يُلمح ذلك عند ابن خلدون في المقدمة.

    ثم علّق مدير الجلسة الدكتور نايف بن نهار على كلام المتحدثين وقال: إن هناك ثلاث ملاحظات مهمة في النظر إلى أزمة العلوم الاجتماعية، وهي:

    1. النظر إلى خصائص العلوم الاجتماعية، وأي نقاش مع تغافل هذه الخصائص لا يؤدي إلى حل، وإنما يزيد من حدّة الأزمة.
    2. إن هناك فرقاً بين فشل العلوم الاجتماعية لتقديم الحلول لإشكالات الواقع وبين فشل أصحابها الذين يمثلونها، حيث إن فشل هؤلاء لا يعني فشل العلوم نفسها
    3. الفصل بين إشكالات الإنشاء وإشكالات الأداء.

    وكانت هناك مداخلات كثيرة من الحضور، حيث تفاعلوا مع الموضوع باهتمام، وقد عقّب المحدثون على بعض المداخلات ثم ختم الدكتور نايف المجلس مع شكر المحدثين والمداخلين والحضور.