تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي
تسجيل الدخول

    سيناريوهات النظام الإيراني ما بعد خامنئي

    ​​

    انتهى مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية من إعداد دراسة علمية تحت عنوان:

    • سيناريوهات النظام الإيراني ما بعد خامنئي
    • قراءة في النماذج والخيارات
    بمشاركة مجموعة من الباحثين، والإص​دار متاحًا على موقع المركز.

    تأتي هذه الدراسة في سياق "المواكبة" التي تُعد إحدى الركائز الاستراتيجية لمركز ابن خلدون. ويُقصد بالمواكبة "السعي الحثيث لمعرفة الواقع وتطويره"، وذلك في تناغم مع بقية أطر المركز الاستراتيجية المتمثلة في التجديد والمثاقفة والتجسير والأقلمة. ولن يتسنى للمركز أن يحقق أيا من هذه الأطر دون معرفة دقيقة بالواقع، لكن المعرفة الدقيقة بالواقع ليست أمرا ميسورا دائمًا، لتعدد عوامل صناعة الواقع، واختلاف اتجاهات وأيدولوجيات من يتصدى لقراءة الواقع، وتنوّع أدوات النظر والتحليل؛ ولذلك فلن نطمع، والحالة هذه، في الحصول على قراءة واحدة للواقع الواحد، بقدر ما نطمع أن تتوفر لدينا قراءات تتقارب وتتباعد بتقارب وتباعد المشارب الفكرية للباحثين والمناهج البحثية التي يعتمدون.

    book coverأما حينما يُرجى من "قراءة الواقع" أن تكون خطوة أولية نحو "التنبؤ" بما عسى أن يقع في "المستقبل" فإن الأمور تصبح أكثر تعقيدا وصعوبة. وسيبدو الفرق كبيرًا بين علوم الطبيعة التي يتحدث أصحابها بثقة وجرأة عن مستقبل الظواهر التي يدرسون، والعلوم الإنسانية والاجتماعية التي لا يملك أصحابها إلا الحديث بحذر، نسبة لسيولة الظواهر التي يبحثون، ولكثرة الاحتمالات والمتغيرات التي يواجهون.

    فيما يتعلق بهذه الدراسة فإنها تستمد أهميتها من الأهمية المتنامية للفاعل الإيراني في النظام الدولي عمومًا والنظام الإقليمي على وجه الخصوص، فلا شك أن فاعلاً بحجم الفاعل الإيراني _الذي يكاد يكون اللاعب الإقليمي الأكثر نشاطًا والأقوى تأثيرًا في الشرق الأوسط_ لا يمكن تجاهل مجرياته الداخلية والخارجية، ولعل أبرز ما تتشوّف له أنظار المراقبين في المرحلة الحالية هي مسألة التحوّل القادم في منصب القائد الأعلى للثورة، وما يترتب عليها من استحقاقات لا سيما في المشهدين المحلي والإقليمي.

    وقبل استعراض الأوراق المكتوبة في هذه الدراسة لا بد من الإشارة إلى عدة نقاط:

    • النقطة الأولى: صحيح أن تجربة التحول القادمة ليست الأولى في تاريخ الجمهورية الإيرانية، فهي الثانية بعد التحول الذي حصل في عام 1989حين توفي مؤسس الجمهورية الإيرانية آية الله الخميني وانتقال المنصب إلى القائد الحالي على خامنئي، لكن الصحيح كذلك أنه من الصعب مقايسة التحوّل الآتي بتحوّل 1989.

      والسبب الذي بموجبه تنتفي المقايسة أن الظروف في عام 1989 تختلف اختلافًا كليًا عن ظروف المرحلة الحالية محليًا وإقليميًا ودوليًا، ففي تلك المرحلة كان الشعب الإيراني للتو خرج من حرب دامية مع العراق، وأجواء الحرب تسوّغ للسلطة ما لا تسوّغه الأجواء في الحالة الاعتيادية. وأزمات النظام الداخلية لم تكن متجلية كما هي الآن، ولم يكن الوضع الاقتصادي كوضعه الحالي، والأهم أنه في تلك المرحلة لم يكن مضى على الثورة الإيراني سوى عشر سنوات، أما الآن فقد مضت عليها أربعون عامًا مما أعطى المجتمع الإيراني تصورًا كاملاً عن مدخلات النظام ومخرجاته، وتاليًا تحديد التطلعات المطلوبة منه.

      أما على المستوى الإقليمي فقد كان النظام الإيراني آنذاك محاطًا بنظام إقليمي أكثر قوةً من الآن، فقد كانت العراق دولة قوية متماسكة تحت حكم صدام حسين، أما اليوم فنجد العراق أولى محطات النفوذ الإيراني المباشر والصريح، بل تحولت إلى رئة يتنفس من خلالها النظام الإيراني اقتصاديًا في بعض المجالات. وسورية كانت دولة قوية ومتماسكة، صحيح أنها كانت ترتبط بعلاقات متميزة مع إيران لكنها لم تكن تحت النفوذ الإيراني كما هو وضعها الحالي. وغني عن الذكر أن مجلس التعاون الخليجي كان بوضع أقوى وأفضل بكثير من وضعه الحالي الذي لم يشهد الخليج وضعًا مشابهًا له في السوء.

      أما على المستوى الدولي فقد كان العالم آنذاك يعيش تحت نظام ثنائي القطبية، فقد كان هناك توزان قوى في النظام الدولي يسمح بهامش من الحركة يخلقها مثل هذا التوازن. أما اليوم فالوضع الدولي مختلف تماما مع وجود نظام دولي متعدد القطبية لكنه لا يزال غير قادر على مناوئة النظام الأمريكي في قرارته المتعلقة بإيران.

    • النقطة الثانية: صحيح أن للحرس الثوري دورًا في تشكيل مستقبل منصب القيادة لكن من الخطأ تضخيم دور الحرس الثوري وكأنه الفاعل الوحيد في النظام الإيراني. إنَّ الذهاب إلى أن الحرس الثوري هو الفاعل الوحيد المحدد لمستقبل منصب القائد ناشئ عن تصورات غير دقيقة، فهو أولاً ناشئ من تصور أن الحرس الثوري نفسه كتلة صماء متماسكة، وهو ليس كذلك، وناشئ عن عدم تصوّر للمساحات التي يمتلكها الفاعلون الآخرون في المشهد الإيراني للتأثير في صناعة المشهد، وأخيرًا ناتج عن عدم إدراك حقيقة أن الحرس الثوري لا يمكنه أن يغامر ويدخل بقوة في المشهد السياسي لما سينشأ عن ذلك من إثار الرأي العام الإيراني الذي لا ينقصه حماس ولا امتعاض مما يجري حاليًا، والحرس الثوري يدرك أن أي تدخل من هذا القبيل ربما يمر في الوهلة الأولى، لكنه سيهدد شرعيته على المستوى المتوسط والبعيد.
    • النقطة الثالثة: من المهم الالتفات إلى أنه يصعب جدًا تصوّر أن القائد الأعلى للثورة على خامنئي لا يمتلك تصوّرا ومخططًا واضحًا لما سيؤول إليه المشهد الإيراني من بعده. إن القائد الحالي يمتلك تجربة سياسية طويلة، فهو قد أمضى نحو أربعين عامًا في هرم الدولة الإيرانية، حيث كان رئيس الدولة من عام 1981 ثم من عام 1989 أصبح في منصب القائد الأعلى للثورة.

      هذه التجربة السياسية الطويلة على هرم الدولة، علاوةً على ما عُرف عن خامنئي من دهاء سياسي وبراغماتية غير معتادة، وحرصه الكبير على تقريب الموالين له منذ أن كان نائبًا لوزير الدفاع، كل ذلك يجعل من الصعب تصوّر أن خامنئي سيترك المشهد من بعده يرتسم بصورة عفوية. وإنما التصوّر الأكثر احتمالاً أن خامنئي سيوظّف نفوذه الكبير في مؤسسات الدولة، كمجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، والسلطة القضائية، والحرس الثوري، والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية، سيوظّف كل هذا النفوذ ليوفر عنصر الاستقرار للسيناريو المختار من بعده. والذي يبدو من معطيات المشهد الإيراني أن الاسم الأكثر احتمالاً لخلافة علي خامنئي هو إبراهيم رئيسي، وذلك لتوافر العديد من العناصر المهمة فيه، على رأسها قربه الشديد من القائد الأعلى وخبرته الواسعة في المشهد الإيراني وعلاقاته المتنوعة مع مختلف الفاعلين السياسيين.

    • النقطة الرابعة: من المستبعد أن يحصل خرق دستوري في عملية التحول القادمة كما حصل في التجربة الأولى، ففي تجربة التحوّل الأولى حصلت مخالفة للدستور حين تم اختيار القائد الحالي علي خامنئي مع عدم توافر شرط المرجعية، إذ إن الدستور الإيراني _ دستور عام 1979_ كان يشترط لمنصب القائد أن يكون مرجعًا، وخامنئي حين تم التصويت عليه قائدًا لم يكن مرجعًا، لكن الدستور تغير بعد انتخاب خامنئي بشهرين ليلغي شرط المرجعية.

      لكن المستبعد في المرحلة القادمة أن يتكرر مثل هذا السيناريو لأسباب مختلفة، أهمها أن التحول القادم يأتي بعد أن شهدت إيران انتفاضات شعبية متعددة بدءًا من عام 2009 وليس انتهاءً بحراك العام الماضي، وهذا يعني أن أي محاولة لخرق الدستور ستزيد النار اشتعالا، والفارق أننا الآن نعيش في مرحلة الثورة الإعلامية التي تسمح لكل إنسان في أن يعبّر قناعاته، خلافًا لعام 1989 حيث لم يكن سوى صوت النظام.

      وهذا يقودنا إلى أن أي تحوّل قادم لن يملك الجرأة على تجاوز تطلعات الرأي العام الإيراني، فمن الصعب بعد كل هذه التراكمات أن يحصل تحول للرأي العام الإيراني بما يفجّر المشهد الذي لا ينقصه تهيؤ لمثل هذه الانفجارات.

    بعد استعراض هذه النقاط الأربع، نعود للحديث عن الأوراق المشاركة في هذه الدراسة:

    • مهرزاد بروجردي

      تبدأ الدراسة بالورقة التي شارك بها الدكتور مهرزاد بروجردي _ أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة، والذي ينطلق من ثلاث مقدمات:

      المقدمة الأولى: أنه لا يوجد حاليًا شخصية في إيران تشكّل محل توافق لدى مختلف الفاعلين في المشهد الإيراني.

      المقدمة الثانية: لا توجد شخصية دينية مستقلة تتمتع بكاريزما وجاذبية سياسية.

      المقدمة الثالثة: لا توجد شخصية قيادية في إيران إلا ولها تاريخ مثير للجدل والإشكال في إيران.

      النتيجة الطبيعية لهذه المقدمات أن المعارضة ستكون حتمية لأي خليفة يتولى منصب القائد الأعلى، وهذا ما يعني أنه سيكون هناك عدم استقرار سياسي نسبي في إيران لكن في الوقت نفسه لا تصح المبالغة في هذا الشأن.

      وبعد هذه النتيجة وتلك المقدمات يقر بروجردي بصعوبة تخمين الشخصية التي ستتولى منصب القائد بعد خامنئي، ومع ذلك يرى أن هناك محددات في اختيار القائد القادم يصعب تجاوزها، ومن أبرز تلك المحددات محدد العمر، حيث يرى بروجردي أن عامل العمر جوهري في اختيار المرشح القادم؛ لأن اختيار مرشح يزيد عمره عن السبعين يعني أن ذلك سيدخل إيران في أزمة انتقال السلطة مرةً أخرى في زمن قريب، فاختيار مرشح كبير في العمر يعني احتمالية وفاته قريبًا، وهذا يعني إعادة فكرة الانتقال من جديد مما سيهدد استقرار النظام.

      ولذلك يرى بروجردي أن المرشح القادم لن يكون كبيرًا في السن، وهذا يعني إقصاء أسماء مهمة من التنافس على منصب القائد، ومن أبرز هؤلاء:

      • محمد إمام كاشاني: 88 عامًا.
      • أحمد جنتي: 92 عامًا.
      • محمد تقي مصباح يزدي 84.
      • محمد كرماني 88 عامًا.
      • حسن صناعي: 82 عامًا.
      • محمد يزدي: 88 عامًا.

      إذا نحينا كل هؤلاء، وأضفنا إلى ذلك وفاة هاشمي رفسنجاني من المشهد لوفاته عام 2017، فإن ذلك يقودنا _ بحسب بروجردي_ لترشيح اسمين مهمين:

      المرشح الأول: حجة الإسلام السيد إبراهيم رئيسي المولود عام 1960 في خراسان، والذي يعمل حاليًا رئيس السلطة القضائية، وكان قد ترشح عام 2017 في الانتخابات الرئاسية وجاء في المركز الثاني بنحو 16 مليون صوت.

      ومن أبرز الدواعي التي تجعل رئيسي مرشحًا مهما لخلافة خامنئي:

      أولاً: سيد من آل البيت، شأنه في ذلك شأن كل المتعاقبين على منصب القيادة (الخميني وخامنئي).

      ثانيًا: يعد رئيسي من أقرب طلاب خامنئي إليه.

      ثالثًا: يتمتع بعلاقات جيدة مع معظم الفاعلين المهمين في المشهد الإيراني لا سيما الحرس الثوري بسبب آرائه التي تصب في صالح الاتجاه المحافظ.

      رابعًا: وصايته على مؤسسة ضريح الإمام رضا مما يمكنه من الوصول إلى موارد مالية هائلة.

      خامسًا: كونه مدعيًا عامًا للمحكمة الخاصة برجال الدين يتيح له إمكانية توظيف ذلك في إسقاط خصومه من رجال الدين.

      سادسًا: خبرته الواسعة في الشأن القضائي وعضويته في مجلس الخبراء منذ عام 2007.

      هذه هي دواعي التفكير في رئيسي مرشحًا لمنصب القائد الأعلى، أما عن المعوقات فلا يذكر بروجردي معوقات حقيقية باستثناء كونه يمتلك سجلاً سيئًا في مجال حقوق الإنسان، وعدم امتلاكه كاريزما سياسية.

      المرشح الثاني: آية الله صادق آملي لاريجاني المولود في عام 1960 في النجف، والذي يشغل لاريجاني حاليًا منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وعضو في مجلس صيانة الدستور. وهو صهر آية الله حسين وحيد خراساني الذي ربما يملك أكبر عدد من التلاميذ في قم.

      إذا أردنا المقاربة بين المرشحين _ بحسب بروجردي_ فإن شعبية رئيسي لا شك أنها أكبر من لا ريجاني، نظرًا للاتهامات الموجهة للأخير بالفساد المالي، وقد أثبت الواقع علو شعبية رئيسي على لاريجاني من خلال انتخابات مجلس الخبراء التي فاز فيها رئيسي بـ 43 صوتًا مقابل 27 لصادق لاريجاني.

      ماذا عن الأسماء الأخرى؟

      لا يرى بروجردي أحدًا مؤهلاً لمنافسة لاريجاني ورئيسي، لكن هناك أسماء مطروحة تتمتع باحتمالات ضعيفة، مثل الرئيس الحالي حسن روحاني، ومجتبى خامنئي ابن القائد الحالي، والسيد حسن الخميني حفيد خميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أما حسن روحاني فحظوظه ضعيفة نظرًا لضعف أدائه الاقتصادي وخلافاته مع بيت المرشد وعدم اقتناع الحرس الثوري به، أما مجتبى فهذا قد يؤدي إلى كارثة في النظام الإيراني؛ لأنه إنما ثار على نظام الشاه الملكي الوراثي، فكيف يعيد إنتاج النظام الذي ثار عليه؟ كما أن مجتبى لا يمتلك مؤهلات تسمح له بتولي هذا المنصب. أما حسن خميني فقد تم رفضه مسبقًا حين أراد الترشح لمجلس الخبراء من قبل مجلس صيانة الدستور عام 2016.

      احتمال أخير يذكّر فيه بروجردي قبل أن ينهي ورقته، وهو أنه قد يكون هناك مجلس قيادة بدلاً من قائد واحد، لكنه يستبعد هذا الاحتمال نظرًا لما سيتولد عنه _ نتيجة الصراعات_ من شلل سياسي في إدارة دفة صناعة القرار الإيراني.

      ينتهي أخيرًا بروجردي إلى الميل بأنه لن يقع تحول جذري في المشهد الإيراني جراء انتقال السلطة، فلن يتدخل الحرس الثوري، ولن ينتهي المنصب، بل حتى لن تتقلص صلاحيات منصب المرشد الأعلى مستندًا في ذلك على أن تقليص صلاحيات المرشد وإيجاد قوة موازية سيعني نزع مشروعية النظام نفسه حتى في نظر المتدينين المؤيدين للنظام؛ لأن شرعية مبدأ ولاية الفقيه يستند إلى جعل السلطة النهائية بيد الولي الفقيه، أما مشاركته من قبل قوى مدنية أخرى فهذا يعني أن صناعة القرار في النظام الإيراني ليست مختومة بختم القائد.

    • نيكولاي كوزهانوف

      أما الباحث الروسي الدكتور نيكولاى كوزهانوف في ورقته (اقتصاد إيران والعقوبات الأمريكية بعد آية الله خامنئي) فإن بحثه يدور حول معضلة العقوبات الأمريكية في مرحلة ما بعد المرشد الأعلى، ويتساءل: هل تبقى العقوبات رغم رحيل المرشد؟ وهل يعنى ذلك أن تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءا، مما يولد المزيد من الاضطرابات الاجتماعية، ويعزز موقف التيار المتشدد داخل إيران؟ وللإجابة على تساؤلاته يطرح مسارين من السيناريوهات الممكنة، ويتوقع في كليهما عدم رفع العقوبات خلال الخمسة أعوام المقبلة. ويتوقع في السيناريو الأول أن خلافة آية الله خامنئي ستنتهي بنهاية السنتين أو الثلاثة القادمة (2023). ويتوقع في السيناريو الثاني أن ذلك سيحدث خلال عام واحد من الآن (2021). وفى كلا الأحوال فإن الباحث يرى إن إيران تبدو قادرة على مواجهة الجولة الجديدة من العقوبات الأمريكية على المدى القصير، وتستطيع أن تسيطر على الأوضاع الداخلية، وأن اقتصادها سيتدهور ولكنه لن ينهار بصورة كاملة.

    • سيد جواد ميري

      وبقدم الأستاذ سيد جواد ميري (أستاذ علم الاجتماع في معهد الدراسات الإنسانية والثقافية بطهران) بحثا بعنوان: التفكير في السيناريوهات المحتملة للمشهد السياسي لإيران، ويرى ابتداء ضرورة أن توسع دائرة النظر لقضية الخلافة، فلا تختزل جميع تعقيدات المجتمع الإيراني في شخص، ولا تحصر في سؤال من يخلف هذا القائد أو ذاك، وإنما ينبغي أن تفهم في إطار الثقافة السياسية الإيرانية الممتدة عبر القرون، والتي يأتي التركيز فيها على الحفاظ على الهوية الحضارية لإيران. فقد يكون الشعب غير راض عن النخبة السياسية الحاكمة، ولكن ذلك لا يعنى أنه سيبتعد عن الإرث الثقافي لإيران.

      وبناء على ذلك فهو يرى أن رحيل آية الله خامنئي سيضع الأمة أمام صدمة كبيرة، غير أن تلك الصدمة لا تمثل نهاية للدولة. ويتحدث عما يسميه "الكاريزما الجماعية" في إشارة إلى الهالة التي ظلت تحيط بالجيل الثوري الذي أطاح بالشاه، وأنشأ الدولة، وشارك في الحرب. ويعتقد أنه من الممكن أن تسقط تلك الهالة على مؤسسة المرشد الأعلى (من خلال مساعدة الجهاز البيروقراطي)، وأن ذلك قد يمهد الطريق للقيادة الجدية التي ستخلف آية الله خامنئي.

      وبعد تحليل مستفيض للتيارات الرئيسية في إيران، وفحص للتوترات بين الدين والتجارة، وبين الدين والسياسة، يخلص للقول: بأنه لا تزال هناك احتمالات لإصلاحات هائلة من داخل النظام، وقد يكون آية الله خامنئي بطل هذا الإصلاح الذي يختلف اختلافًا عميقًا عن الإصلاحات الليبرالية أو الليبرالية الجديدة التي اقترحها الإصلاحيون في عهد خاتمي؛ وأنه سيكون من الخطأ الشديد التفكير في المجتمع الإيراني عمومًا من خلال الصور القديمة السابقة للثورة، إذ مر الإيرانيون بحسب تقديره بتحولات ذهنية وثقافية هائلة لم تكن متوقعة منذ أربعين عامًا. ويعتقد أن أي سيناريو محتمل يجب أن يأخذ البعد الاجتماعي في الاعتبار لأنه بدون هذه الملاحظة، ستكون جميع المقترحات السياسية عبارة عن مقترحات واهنة.

      فالدكتور ميري يصر على أنه لا يمكن فهم المشهد الإيراني وسيناريوهات التحولات ما بعد خامنئي من خلال البوابة السياسية حصرًا، بل لا بد من فهم المشهد من خلال إطار أوسع وأشمل، وهو الإطار الثقافي والاجتماعي، إذ إن الإنسان الإيراني يتعامل مع مجريات المشهد السياسي ليس بصفة آنية ولا مختزلة، بل إنه دائمًا _ بحسب ميري_ ما يستحضر السياق التاريخي للأمة الإيرانية.

      وانطلاقًا من ذلك يؤسس ميري إلى أن الإيرانيين لن يسعوا لحصول تغيير جوهري يؤثر على الهوية الإيرانية، وإنما سيتقبلون عملية الانتقال لكن مع حصول تغييرات تبعد فئتين عن دوائر صنع القرار، فئة المتشددين وفئة العسكر.

      وتأثرًا بتخصصه علم الاجتماع، حاول ميري توظيف فكرة الكاريزما عند ماكس فيبر، فرأى أن منصب القائد الأعلى في زمن الخميني كان يعتمد على كاريزما القائد نفسه، ويقصد بالكاريزما "القادة الذين يحكمون بدون قواعد محددة ويشكل حكمهم إجماعًا على المستوى الوطني".

      أما في المرحلة الحالية فإن الكاريزما تحولت إلى الجماعة، أي أن هناك كاريزما جماعية تحيط بالجيل الذي أطاح بالشاه وأنشأ دولة جديدة وشارك في الحرب ضد العراق.

      ويرى ميري أن الكاريزما الجماعية ستنتهي بعد خامنئي، لكن هذا لا يعني انتهاء فكرة الكاريزما نفسها؛ لأنها ستنتقل لتصبح "كاريزما النموذج" أي أن منصب القائد الأعلى بحد ذاته أصبح يتمتع بالكاريزما الخاصة، فالشخص يستمد قوته من كاريزما المنصب وليس العكس.

      إذن الشيء الجوهري الذي سيقع بعد خامنئي هو تحول الكاريزما من الكاريزما الجماعية إلى كاريزما النموذج، مما يعني أنه لن تحدث تغييرات جوهرية حقيقية، وأن التغييرات التي ستحصل ستصب في صالح المشهد العام الإيراني.

    • سيد علي موسوي

      في دراسته عن مستقبل المؤسسة الدينية في إيران يؤكد سيد على الموسوي أن سؤالاً مثل: من الذى سيقود الجمهورية الإسلامية في إيران بعد آية الله خامنئي ظل يسيطر لفترة طويلة على المراكز البحثية العالمية، إلا أن هذا السؤال ليس بذي أهمية كبرى، إذ أن القضية الأكثر أهمية، بحسب ما يرى، تكمن في تحليل "الصندوق الأسود" للمؤسسة الدينية الإيرانية، وأن محاولة فك شفرة هذا الصندوق تتطلب فهم طبيعة العلاقة بين القائد والهرم الهيكلي للمؤسسة الدينية، ومستقبل هذه العلاقة ومدى تفاعلاتها مع القوى الأخرى في الساحة السياسية.

      وبعد عرض دقيق لتاريخ المؤسسة الدينية في إيران ولدورها السياسي، وتحليل لهيكلها، وتوضيح للعلاقة بين الأمة والإمامة، وشرح للعلاقة بين تيارات التنوير العلماني (اليسارية والليبرالية)، ينتهي للقول بأنه، وحسب تجربة القرن الماضي، فإن مؤسسة علماء الدين تعتبر الغرب عدوها الرئيسي، وتعتقد أن الغرب لا يلتزم بالأنظمة والقوانين الدولية في تعامله مع إيران، وأنه لا يفهم سوى منطق القوة، ولا يلتزم بالمنطق والقواعد الأساسية الدولية المتعارفة، لذلك لا يوجد أمام إيران سوى طريق واحد، هو المضي إلى الأمام بالوعي والقوة دون أي اعتبارات أخرى. ومع ذلك، فهذا لا يعني، في نظر الكاتب، أنه من المستحيل الوصول إلى اتفاق مع العدو. إذ إن تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية تاريخ ملئ بالصراعات، وفي نفس الوقت فهو حافل بالاتفاق مع القوى الحاكمة. ثم يؤكد أخيرا أنه لا يمكن إزالة سلطة المؤسسة الدينية في الجانب السياسي أو الديني في إيران، حيث يتمتع الجيل الجديد في منظمة المؤسسة الدينية بمزيد من القوة للاستفادة من حسنات نظام الحداثة في ظل التقاليد الإسلامية. وهذا يعني، بتقديره، أن مؤسسة علماء الدين ستزداد قوة في الفترة المقبلة.

    • لوسيانو زاكارا

      أما بالنسبة للدكتور لوسيانو زاكارا الباحث الأرجنتيني المتخصص في الشأن الإيراني، فإنه ركز في ورقته على المدخل المؤسسي لمقاربة مسألة ما بعد خامنئي، حيث ركز على النظام الانتخابي الإيراني وأبرز خصائصه وتمايزاته عن بقية الأنظمة الانتخابية في العالم، ثم ناقش مدى إمكانية حصول تغيير حقيقي في هذا النظام ما بعد خامنئي، ووصل إلى أنه "من المستبعد حتى الآن أن يتم إجراء إصلاح شامل على النظام الانتخابي والقواعد التنظيمية على المدى القصير". لكنه مع ذلك كان متفائلاً، فيرى أنه "استنادًا إلى الخبرة المتراكمة على مدار أربعين عامًا من تاريخ الجمهورية الإسلامية فإيران تتجه بلا شك نحو طريقة جديدة لتسيير الانتخابات"

      ويرى أنه إذا تمت الإصلاحات المطلوبة في حق النظام الانتخابي الإيراني فإن النتيجة ستكون "توفير إطار عمل لانتقال أكثر سلاسة، ليس على مستوى منصب القيادة فقط، بل حتى على مستوى الرئاسة، مما يعزز الهيكل الجمهوري ويحقق للعمليات الانتخابية المقاييس الدولية المطلوبة لتصبح مقبولة على المستوى الدولي".

      وعلى وجه التفصيل يتناول الأستاذ لوسانيو زاكارا مفهوم "الفصائل السياسية" ودورها في السياسية الإيرانية، ويقر بوجود محاولات عديدة لتحديد معنى الفصائل ودورها في السياق الإيراني على مدار الأربعين عامًا التي هي عمر الجمهورية الإيرانية. ومع هذا، تبقى غالبًا المعاني السلبية المرتبطة بالمصطلح بسبب حقيقة أن الكتابات السابقة عن التحزب ظهرت في سياق عمليات التحول الديمقراطي والحداثة الأكثر تطورًا، حيث تعرضت الأحزاب السياسية للتحول المؤسسي والدمج. ومن ثم، فالأمر لا ينطبق على إيران أو غيرها من دول المنطقة ذات المؤسسات الأولية أو الأنظمة الحزبية. وفي هذا الصدد، يُنظر للفصائل على أنها "صفة تميز المراحل الأولى لما يطلق عليه عملية التحديث حيث انفصل الأفراد والمجموعات عن الأنماط التقليدية للممارسات السياسية، ولكن تبقى المشاركة السياسية والتحول المؤسسي منخفضين. ولكن هذا لا ينطبق في مجمله على الحالة في الجمهورية الإسلامية حيث تختلط الانتماءات السياسية في أغلب الأحيان بالانتماءات العائلية، والدينية، والزبونية، والإقليمية. ومع هذا، فالمجموعات البرلمانية والاتحادات السياسية الدينية تطلق عليها الصحافة الإيرانية فصائل، مما يجعل أمر تعريف المعنى الدقيق لهذا المفهوم صعبًا بالنسبة للوضع في إيران. ومن المتعارف عليه وجود إشارات إلى الفصائل "الإصلاحية" أو "المحافظة"، حيث يشار إليهما أحيانًا على أنها "اتجاهات" أو "أيديولوجيات" واسعة في داخل الأطياف السياسية الإيرانية. كما يستخدم المصطلح عند وصف اتحادات سياسية بعينها مثل "رابطة رجال الدين المقاتلين" و"جمعية رجال الدين القتاليين"، واللتان قد تم تسجيلهما رسميًا. وبالرغم من التساؤلات حول استخدام المصطلح عند وصف النظام الانتخابي الإيراني، تعد ممارسات "الفصائل ذات السمة الشخصية" مفيدة لأنها "تعتمد على الزبونية، والتي تعد أيضًا الآلية المركزية للتعبئة". وهذا يبدو أكثر وضوحًا بالنظر إلى تكون المجموعات البرلمانية وسلوكها أثناء جلسات النقاش والتصويت. وبما أن حدود الأحزاب ليست معرفة بوضوح، فسلوكها لا يعتمد على الانتماء الحزبي أو الالتزام، ولكن على الاتفاقيات غير الرسمية المرنة والقابلة للتغيير بين المجموعات المختلفة أو حتى الأفراد، استنادًا إلى عوامل كثيرة أخرى مثل الانشقاقات الزبونية، والإقليمية، والسياسية، والعائلية، والدينية.

      وبعد عرض مفصل للنظام الانتخابي في إيران، ولنظام الفصيل الحزبي وتأثيراته، يرسم الباحث خريطة دقيقة لتلك الفصائل، ثم يقوم في ضوء ذلك بتحليل السيناريوهات المستقبلية، منتهيا إلى القول بأنه رغم من أن النظام السياسي الإيراني يتسم بالديناميكية، ورغم أن نظام الفصائل السياسية قد منحه المرونة المطلوبة في أوقات إعادة التهيئة للقائد الجديد أثناء الانتقال من آية الله روح الله الخميني إلى آية الله علي خامنئي، إلا أن الموقف الراهن يتطلب هيكلًا أكثر استقرارًا يضع على رأس أولوياته الاستقرار والشفافية. وبدون مزيد من الإصلاحات في أنظمة الانتخاب والأحزاب، فالسيناريو المرتقب في حالة تعيين قائد جديد أنه سيواجه مشكلات مشابهة فيما يخص الشفافية والدقة لعملية الانتخاب كلها كما واجهها القائد السابق في 1989.ويعتقد أن السيناريو الذي يتضمن إصلاحات على النظام الانتخابي ونظام الأحزاب سيوفر إطار عمل لانتقال أكثر سلاسة، ليس فقط في حالة القيادة، ولكن أيضًا على المستوى الرئاسي في الانتخابات المقبلة، مما يعزز الهيكل الجمهوري، ويحقق للعمليات الانتخابية المقاييس الدولية المطلوبة لتصبح سارية ومقبولة على المستوى الدولي