تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي
تسجيل الدخول

    الندوة الثانية للتكامل المعرفي في الموسم الثقافي الأول

    center news

    نظّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر بالتعاون مع إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ندوة علمية بعنوان: التكامل المعرفي سبيل النهوض الحضاري في موسمها الثاني، وذلك بتاريخ 18 شعبان 1446هـ الموافق 17 فبراير 2025م، وقد شارك فيها متحدثان رئيسان، بحضور كل من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية سعادة السيد غانم بن شاهين الغانم، ومدير مركز ابن خلدون الدكتور بدران بن لحسن، ومدير إدارة البحوث الدكتور محمد بن أحمد آل ثاني.

    جاءت هذه الندوة، التي أقيمت بعد صلاة العشاء في جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، ض​من التعاون المشترك بين مركز ابن خلدون وإدارة البحوث في إقامة مشاريع علمية تجسّر بين العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وقد افتُتحت الندوة بتلاوة عطرة من القرآن الكريم بصوت القارئ يوسف القحطاني، تلتْها كلمة افتتاحية للدكتور بدران بن لحسن، شكر فيها وزارة الأوقاف والأساتذة المحاضرين ورحب بالحضور الكريم، كما أشار إلى السياق الذي تأتي فيه هذه الندوة، حيث أشار إلى أن العلوم الإسلامية عرفت التكامل والتداخل منذ نشأتها؛ لأنها مبنية بعضها على بعض وتكامِل بعضها بعضًا، بالإضافة إلى انفتاحها على العلوم الأخرى القادمة من الحضارات الأخرى، والتي تم إدراجها في التداول المعرفي الإسلامي من خلال ممارسة عملية النقد لأسس هذه العلوم، وبنيتها المنهجية، وموضوعاتها البحثية، وإخضاعها للرؤية المعرفية التوحيدية، وتنقيتها من خلفياتها الفلسفية وتحيزاتها الأيديولوجية، والتي لا تتناسب مع عالمية الرسالة الإسلامية وكلية الحقيقة التي جاء بها الإسلام، مما مكّن من الاستفادة القصوى من الخبرة الحضارية المختلفة.

    وقد نبّه الدكتور بدران على أن جهود الوزارة بالتعاون مع مركز ابن خلدون ترمي إلى استعادة أصالة المعرفة الإسلامية وفعاليتها في حياتنا المعاصرة من أجل تحقيق النهوض الحضاري، وهي ما تتطلب استعادة النماذج الإسلامية المهمة في هذا المجال، وهو ما سيقوم به الأساتذة في ندوة اليوم، وقد ختم مدير المركز حديثه بترحيب محاضرَيْ الندوة مع تمنياته لهما بالتوفيق والسداد.

    وبعد الكلمة الافتتاحية جاءت مداخلة الأستاذ الدكتور أحمد أبو شوك، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب والعلوم في جامعة قطر، والذي تحدث عن التكامل المعرفي عند عبد الرحمن ابن خلدون، حيث بدأ حديثه بالإشارة إلى موجز حياة هذا العالِم ورحلاته العلمية وتطوافه حول البلاد وتجربته الثرية في المجالات المختلفة، كما أشار إلى أن ابن خلدون لم ينل الاهتمام الكافي من المؤرخين الذين عاصروه، أو جاؤوا بعده لعدة قرون، ويعد تقي الدين المقريزي استثناءً في هذا المجال، حيث أرّخ لابن خلدون، وأشاد بمقدمته، ونبّه على مبكراته وأهميته ضمن المدونات التاريخية، كما أشار المحاضر إلى نسخ المقدمة المختلفة وتواريخ ظهورها وطبعاتها.

    وفي الحديث عن التكامل عند ابن خلدون يرى الدكتور أبو شوك أن خلدون يمثّل نموذجًا حيًا للتكامل، حيث نظر إلى علم التاريخ باعتباره علم الماضي لفهم مجريات الحاضر وتوقعات المستقبل؛ لأنه لم يبحث في التاريخ على أنه ثَبتٌ لوقائع وأحداث مبعثرة، بل بحث فيها من حيث علِلها وطبائعها، واستخلص منها قواعد العمران وأسس الاجتماع الإنساني. وقد وظّف ابن خلدون في القيام بهذا الدور جميع مؤهلاته العلمية المختلفة في العلوم النقلية والعقلية، واستخلص قوانين وقواعد مهمة تنظم العمران البشري، منها: قانون السببية، وقانون التشابه، وقانون التباين، وعوامل الجغرافيا والاقتصاد ودورهما في الاجتماع البشري.

    وكانت المداخلة الثانية عن التكامل المعرفي عند أبي إسحاق الشاطبي، والتي قدّمها الأستاذ الدكتور نور الدين الخادمي، أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة في جامعة قطر، والذي بدأ حديثه بالإشارة إلى عنوان مدونة الشاطبي المعروفة بـ الموافقات، وأن هذا الاسم لم يكن من اختيار الشاطبي نفسه، وإنما كان ذلك موافقة وتوفيقًا من الله تعالى، من خلال رؤية رآها حول هذا الموضوع، فكان العنوان اسمًا على المسمى، ثم عرَض الدكتور الخادمي أبرز قضايا الموافقات التكاملية، حيث يرى أن الشاطبي قصد من خلال مدونته أن يَصِل علم العقيدة بعلم الأصول والفقه والمقاصد واللغة وغيرها من العلوم النقلية والعلية، كما أنه تكامَل النظر بين العلم والعمل، ورفض أن يكون بينهما حاجز موهوم، كما هو الحال في الواقع، ودورها في مصالح العباد في ضوء مراد الخالق سبحانه وتعالى، وأن هذه المقاصد تحقّق مصالح العباد في المعاش والمعاد والدنيا والآخرة، حيث إن الشريعة الإسلامية نظّمت هذه المقاصد بشكل منضبط جليّ، وذلك من خلال أدلتها ومبادئها وكلياتها وأسسها.

    وقد قدّم المحاضر ثلاثة مبادئ أصولية، وظّفها الشاطبي في فكره التكاملي، وهي: مبادئ تحقيق المناط، واعتبار المآلات، والمقاصد التحسينية، حيث إن هذه المبادئ الثلاث تنظر إلى الوقائع والجزئيات التي تحدث للبشر، من زوايا ظروفها وأحوالها وما تحتوي عليه من مصالح ومفاسد في الحال، وما قد تؤدي إليه من نتائج وآثار من المآل، ومن ثم تقضي على فعل الإنسان بالمشروعية أو بعدمها، بناءً على ما يحقق الفعل من المصالح أو المفاسد، وما يجلبها من مقاصد تحسينية تحتوي بدورها على المقاصد الحاجية والضرورية للعباد.