تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي
تسجيل الدخول

    السرد غير الواقعي في المرويات التراثية

    ​​

    ندوة: أقلمة نظرية عربية في السرد، مقاربات ومحاور واشتغالات، السرد غير الواقعي في المرويات التراثية

    نظَّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر ندوة علمية افتراضية بعنوان: "أقلمة نظرية عربية في السرد: مقاربات ومحاور واشتغالات (السرد غير الواقعي في المرويات التراثية)"، وذلك يوم السبت، 7 صفر 1444هـ الموافق 3 سبتمبر 2022، وقد قدَّمت الندوة أ. د. نادية هناوي، وشارك في النقاش كلٌّ من أ. د. إبراهيم السعافين، وأ. د. سعيد يقطين، والدكتورة أسماء خوالدية.

    افتُتحت أعمال الندوة بكلمة افتتاحية من الباحثة/ نورة حمد الهاجري، منسقة الندوة بمركز ابن خلدون، التي أشارتْ إلى أن السرد العربي القديم زاخر وثريٌ بالخزاين السردية التي تُمكِّن الباحثين من استخراج رُؤى نظرية تؤقلم للسردية في السياق العربي المعاصر، بعيدًا عن التبعية المنهجية والتطبيقية للدرس الغربي، كما نوَّهتْ إلى الأسئلة المهمة التي تُشغِل أذهان الباحثين في هذا السياق، والتي تأتي هذه الندوة للإجابة عنها، وهي: كيف يكون النظر في المرويات؟ وكيف يكون التجديد في دراسة صنوف السرد؟ وأخيرًا هل هناك سبيل للأقلمة؟

    وقد أدار الندوة أ. د. هيثم سرحان، أستاذ النثر العربي القديم وتحليل الخطاب بقسم اللغة العربية في جامعة قطر، الذي رحَّب بالمحاضِرة والمشاركين والحضور، ثم أفسح المجال للمتحدثة الرئيسة الأستاذة الدكتورة نادية هناوي لتقديم فكرتها حول أقلمة نظرية عربية في السرد.

    وأشارتْ الدكتورة نادية، وهي كاتبة وناقدة أدبية عراقية، في بداية حديثها إلى أن "السرد العربي القديم [تتميز] بسمات موضوعية وخصائص فنية، هي تأسيسية في تقاليدها، وعالمية في تأثيراتها وتحولاتها التي ما زالت آثارها واضحة في السرد الإنساني. وما استعادة القص الخرافي في السرديات الخيالية ما بعد الحداثية سوى توكيد لهذه الحقيقة. وعلى الرغم من ذلك كله، فإن سردنا القديم ما زال بعيداً عن اهتمام منظري السرديات بنوعيها الكلاسيكية وما بعد الكلاسيكية غير معترفين بأثره ولا مقرّين بأهميته"، وأن "أغلب الدارسين الغربيين المعنيين بالسرديات ما بعد الكلاسيكية والمهتمين بالتنظير لها، يتجنبون التمثيل بأية حكاية أو قصة عربية قديمة... والغالب أنهم إذا أرادوا أن يمثّلوا على السرد الكلاسيكي فلا يمثلون سوى بسرديات العصور الوسطى التي أخذت تقاليدها أصلاً من سردنا القديم مثل الديكامرون لبوكاشيو ودونكيشوت لسرفانتس".

    وفي ضوء هذا ذهبت الدكتورة هناوي إلى أن هذا الموضوع بحاجة إلى وقفة جادة لبيان دور العقل في ابتداع السرد، والتمثيل له بنماذج من السرد العربي القديم، وأن النظريات السردية ما بعد الحداثية تفتح المجال لتشكيل نظرية عربية في السرد غير الواقعي وأقلمتها، كما أشارت إلى أهم المحاور التي يمكن من خلالها تشكيل هذه النظرية، وأن الغاية منها: "توطين مفاهيم خاصة بهذا السرد تؤقلم النظر وتجسر المسافات وتواكب المستجدات في النظرية السردية العالمية وفي إطار سؤال مركزي يتعلق بتقاليد سردنا العربي التي أثرت في سرديات الامم المجاورة قديما وساهمت في التأسيس للسرد الحديث أيضًا".

    وبعد انتهاء الدكتورة نادية شارك الأساتذة المشاركون بملاحظاتهم وآرائهم حول الأفكار التي طرحتْها الدكتورة نادية، وكان أول المشاركين في النقاش هو أ. د. إبراهيم السعافين، وهو أديب وناقد أدبي أردني، وقد بدأ حديثه بالإشادة لجهد المحاضرة، وأنها ورقة طموحة. غير أن الورقة مع أهميتها أغفلتْ استجابة بعض الغربيين للسرد العربي، ثم ضرب أمثلة لها، كما أشار الدكتور السعافين إلى رفضه رأي من يدعي أن الأدب العربي خالٍ من السردية، وأنه عالة على السرد الغربي، ويقول مستغربًا: كأن العرب لم يعرفوا السرد إلا من خلال الكُتاب الغربيين بعد القرن التاسع عشر.

    ويرى الدكتور السعافين أن السرد العربي يصعب تفسيره بالنظريات الغربية؛ وذلك لخلوها من عامل المكان، والشخص المتأثرين بالثقافة العربية، غير أنه يبدي اختلافه مع المحاضرة في بعض نتائجها التي يراها "قطعية"، منها: أن السرد العربي لم يتغير في تدوينه عن شفاهيته، وإنما تغيَّر التقلي، وأن التخييل انتهى بعض التدوين. ولكن السعافين يرى أن الأهم في الموضوع هو: الالتفات إلى السرد العربي القديم للإعلاء من مكانته ووضعه موضعه الصحيح.

    ثم تحدث أ. د. سعيد يقطين، وهو باحث وناقد مغربي، وناقش بعض الأفكار التي طرحتْها المحاضِرة، مبدِيًا اختلافه معها في عدد كثير منها، وأن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف المرجعية، والخلفية، والمقاصد، منها: أن الورقة تنطلق من قضايا يراها صاحبها نهائية، وهي ليست كذلك. كما أشار الدكتور يقطين إلى أن السرديات العربية القديمة لم تنطلق من النظريات الغربية الحديثة، كالسردية الطبيعية أو غير الطبيعية إلخ، وتاليًا لا يمكن القول بأنه يمكن بناء نظرية في السردية العربية غير الواقعية من خلال هذه النصوص، وأن مصطلح الواقعية ليستْ له صلة بالسرد القديم؛ لأنه ظهر في القرن التاسع عشر؛ ليؤسس لمدرسة خاصة في كتابة الرواية.

    ثم تحدثتْ الدكتورة أسماء خوالدية، وهي أستاذة بجامعة القيروان في تونس، وقالتْ: إنه ما من شيء إلا وهو سرد، بما في ذلك التراث، وأن كل سرد يُعدُّ نوعًا الخرق الذي تحدث عنه الصوفي المشهور ابن عربي، فهو قد يكون خرقًا أسلوبيًا، أو خرقًا مضمونيًا، أو خرقًا حكائيًا إلخ، وما دام هو خرق، فإنه من الصعوبة بمكان أن يوضع تحت طائلة نظرية موحدة.

    وأبدتْ الدكتورة نادية وجهات نظرها في بعض الأفكار التي ناقشها الأساتذة الأفاضل، كما وافقتْ مع بعضها الآخر، مبدية استعدادها للاستفادة منها.

    وقد استمرتْ الندوة لمدة ثلاث ساعات، وختمت أعمالها في الساعة الثامنة مساء.