عقدت كلية القانون بجامعة قطر ندوة علمية بعنوان "نحو استثمار واقعي لأموال الوقف الخيري: من الوقف التقليدي إلى وقف الأموال الرقمية"، وذلك ضمن قراءة استشرافية للقانون رقم (9) لسنة 2021 بشأن الوقف في دولة قطر. وقد تناولت الندوة التحولات القانونية والاقتصادية التي تتطلب تطوير مفهوم الوقف، ليتماشى مع المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية في الاقتصاد والمال الرقمي.
وقد أكد المتحدثون؛ وهم: كل من الدكتور ياسر الافتيحات، أستاذ القانون الخاص المشارك، والدكتور عماد قميناسي، أستاذ القانون الخاص المساعد، أن الوقف باعتباره نظامًا ماليًا إسلاميًا يهدف إلى التقرب إلى الله من خلال تخصيص الأموال والممتلكات لأعمال البر، قد شهد تطورًا كبيرًا عبر اجتهاد الفقهاء، حيث توسع ليشمل أنواعًا متعددة مثل وقف العقارات، والمنقولات، والمنافع، إلا أن الوقف الخيري التقليدي يواجه تحديات متزايدة في العصر الحديث، مما يبرز الحاجة إلى توسيع نطاقه ليشمل الأموال الرقمية، خاصة في ظل الثورة التكنولوجية والرقمية الهائلة.
كما سلطت الندوة الضوء على قضية مهمة، وهي ضياع الكثير من أموال الوقف في العديد من الدول العربية والإسلامية نتيجة الحروب والتغيرات السياسية. وقد أدى ذلك إلى تراجع الفائدة التي كانت تتحقق للمجتمعات من هذه الأوقاف. وأكد المتحدثون على أن التحول إلى وقف الأموال الرقمية قد يكون الحل الأمثل لحماية هذه الأصول وضمان استمرار توجيهها لأهداف الخير، دون أن تتأثر بالتقلبات السياسية أو الاقتصادية المفاجئة.
وفي هذا السياق، ناقش الباحثون أهمية التدخل التشريعي لتنظيم هذا التحول، موضحين أن استثمار الوقف الخيري الرقمي يتطلب تشريعات واضحة ومواكبة للمتغيرات، من أجل تحقيق الفاعلية المطلوبة. كما أشاروا إلى أن الوقف الرقمي لا يقتصر على تحسين إدارة الأموال فحسب، بل يسهم في تعزيز استدامة العمل الخيري في مواجهة تحديات العصر الحديث.
ودعا المشاركون المشرع القطري إلى تبني تشريعات تدعم تحويل الوقف الخيري التقليدي إلى وقف رقمي، بما يضمن حماية واستثمار هذه الأموال لخدمة المجتمع. وشددوا على ضرورة أن تكون هذه التشريعات متوافقة مع مبادئ الفقه الإسلامي، وقانون الوقف القطري، ومنسجمة مع طبيعة الأموال الرقمية، فتتحقق أقصى فائدة ممكنة للمجتمع. وتساءل المتحدثون: ما المانع من إنشاء مدرسة رقمية تقدم التعليم عن بُعد؟ وما المانع من وجود تطبيقات تعليمية، صحية، وثقافية تسهم في أعمال البر وتسهم في بناء مجتمع مدني متقدم، وهو ما يمكن ان يتجاوز دائرة المجتمع القطري لينطلق الى المجتمع الإسلامي والمجتمع العربي، لتكون قطر رائدة وسباقة في هذا المجال؟
وفي ختام الندوة، اتفق المشاركون على أن التحول إلى الوقف الرقمي، يمثل فرصة استثنائية لتعزيز دور الوقف في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحماية أمواله من الضياع، أو التجميد بسبب الظروف السياسية أو الاقتصادية. كما يرون أن هذا التحول يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للعمل الخيري في قطر، ويضعها في مصاف الدول ذات التأثير الإيجابي، والفاعل في العالم الإسلامي وعلى الساحة الدولية.