أجرى باحثون من جامعة قطر ومعهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومركز سدرة للطب بالتعاون مع مؤسسات في المملكة المتحدة (جامعة برمنغهام) وباكستان (الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا) دراسة ناجحة قدموا فيها اختبار دم موثق لتشخيص اضطراب طيف التوحد (ASD) في الأطفال من سن 5 إلى 12 سنة. تعتمد هذه الدراسة الابتكارية، والتي أجريت في عدة مراكز دولية، على أبحاث سابقة حددت تغييرات محددة في البروتينات الدموية الناتجة عن إضافة جزيئات السكر (الجلايكيشن) وعمليات الضرر التأكسدية كعلامات محتملة لاضطراب طيف التوحد، والمعروفة عادة بالعلامات الحيوية.
هذه الدراسة لا تقوم فقط بفحص وجود أو عدم وجود التوحد في الأطفال، بل إنها قد تقدم أيضًا رؤى حول العوامل المساهمة المحتملة. تشير النتائج إلى وجود ترابط بين مستويات المستقلب النشط ميثيل جلايوكسال وشدة التوحد حيث يرتبط زيادة ميثيل جلايوكسال بأعراض أكثر شدة للتوحد، مما يفتح آفاقًا لنهج علاجية جديدة وتقديم رؤى حول اضطراب الأيض في الجهاز العصبي المركزي. النجاح في التحقق يدعم الاستخدام السريري المحتمل لاختبار الدم لتشخيص ASD في الأطفال من سن 1.5 إلى 12 سنة، حيث أن الحصول على الموافقات التنظيمية قيد الاعتبار.
اضطراب طيف التوحد هو اضطراب شائع يؤثر على 78 مليون شخص عالميًا خلال فترة ما قبل الولادة، و يشكل تحديات في التشخيص الفوري. تشير أحدث التقارير بانتشار التوحد في قطر بنسبة 1.14% بين الأطفال من 6 إلى 11 سنة. تتضمن الإجراءات التشخيصية الحالية فريق من تخصصات متعددة، ويمكن أن تستغرق 3-6 أشهر في قطر بسبب نقص الخبراء، وقد تستغرق وقتًا أطول يصل إلى 4 سنوات في أوروبا والولايات المتحدة. لمواجهة هذه الحاجة، سعى الباحثون إلى تطوير اختبار دم يعتمد على قياس علامات حيوية في بروتينات البلازما بشكل دقيق وحساس حيث يمكن لمقدمي الرعاية الصحية والآباء والأطباء الآن تشخيص التوحد بسرعة، مما يتيح التدخل والعلاج في الوقت المناسب. يحمل هذا الاكتشاف الجديد إمكانية تحول تشخيص التوحد على مستوى العالم.
وضع الفريق خوارزميات تشخيصية استنادًا إلى علامات الدم استخدمت لفحص عينات من 478 طفلاً في قطر وإسبانيا. وقد تم تشخيص 311 بحالة اضطراب طيف التوحد في حين 167 تم تصنيفهم كأطفال ذوي نمو طبيعي. بمشاركة ثلاث مجموعات (416) من أصل 478 مشاركًا من قطر المتكونة من مجموعة معهد قطر لبحوث الطب الحيوي (n = 167)، ومجموعة BARAKA بركة في قطر (n = 249) التي شملت عينات بلازما من الأشقاء غير المتأثرين كمجموعة ضابطة بالإضافة إلى مجموعة مالقة في إسبانيا (n = 62) والتي توفرت من قبل باحث استشاري. أكدت هذه الدراسة الشاملة النتائج السابقة من مجموعة إيطالية أصغر، حيث تم التعرف على أربعة علامات حيوية هامة مرتبطة بالتوحد. ساهم النهج متعدد المراكز والدول المشاركة ضمن هذه الدراسة في تعزيز دقة الاختبار الدموي وقابليته للتطبيق.
أظهر الاختبار الذي يفحص مواد محددة في الجسم لفهم كيف يتأثر البروتين بالسكر والإجهاد التأكسدي دقة بنسبة 83% في تحديد وجود اضطراب طيف التوحد في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و12 سنة، وقد تشير التغييرات في هذه المواد إلى وجود مشاكل في عمليات الأيض أو زيادة في التوتر نتيجة للجزيئات الضارة في الأفراد الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد.
شملت دراسة التحقق مجموعات متنوعة من قطر وإسبانيا، مما قدم تقييمًا قويًا لأداء اختبار الدم. تضمين ميزات إضافية للجلايكيشن والتأكسد إلى جانب العمر والجنس، ساهم في تحسين الدقة لتلبية المعايير المحددة من قبل الجمعية الطبية النفسية الأمريكية (APA) وعند توسيع نطاق الأعمار إلى 1.5-12 سنة، انخفض أداء التصنيف، ولكنه لا يزال يحقق تصنيفًا عالي المستوى وفقًا لإرشادات الجمعية الطبية النفسية الأمريكية.
البروفيسور نائلة رباني، المحققة الرئيسية من كلية الطب في جامعة قطر، أعربت عن حماسها إزاء نتائج الدراسة، قائلة: "يمكن لاختبار الدم الموثق حديثًا تشخيص التوحد بسرعة، مما يسهل تقديم الدعم والعلاج في مراحل حيوية من تطوير دماغ الطفل، ويحمل هذا التدخل الفوري إمكانية التأثير الإيجابي على مسار وشدة التوحد. علاوة على ذلك، كشفت الدراسة عن ترابط رائد بين شدة التوحد ومستويات العلامات الحيوية المرتبطة بالمستقلب النشط، ميثيل جلايوكسال. يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا لتدخلات علاجية محتملة، باستخدام مكمل غذائي يُعرف باسم منشّط غليوكسالاز 1. ونظرًا لقدرة هذا المكمل الغذائي على الحد من ميثيل جلايوكسال، يمكن استكشاف هذا المكمل كعلاج مستقبلي لتخفيف الأعراض الشديدة للتوحد".
من جانبها، قالت السيدة عائشة الساعي، باحثة تعمل مع البروفيسور رباني في هذا المشروع: "نحن سعداء جدًا بهذا الإنجاز الذي تم تطويره بشغف وتفان. إنه خطوة تحولية في فهم وتشخيص التوحد في مراحل مبكرة، تقدم الأمل للأفراد والعائلات المتأثرة بالتوحد. نتصور أن يكون له تأثير كبير على صناعة الرعاية الصحية، مع تشكيل مستقبل تشخيص التوحد وتقديم استراتيجيات التدخل المبكر لرعاية التوحد. نتطلع إلى العمل مع زملائنا في مجال الصحة لتحسين نظام الرعاية الصحية".
يتوقع الباحثون أن يمكن لهذا الاختبار، الذي يتسم بالقليل من التداخل، حيث تكفي كمية صغيرة من الدم الوريدي، بالإضافة إلى دقته التشخيصية العالية، تقليل الوقت اللازم لتشخيص اضطراب طيف التوحد بشكل كبير وتمكين تدخل أكثر فعالية في تقديم الرعاية والدعم المناسبين. يعتبر هذ الاختبار الأول من نوعه في قطر، ويمكن أن يكون له تأثير هائل في تشخيص التوحد، كما تفتح الدراسة آفاقًا لأبحاث مستقبلية حول التأثيرات الجزيئية الكامنة في اضطراب طيف التوحد والأهداف العلاجية المحتملة. علاوة على ذلك، يهدف الباحثون إلى السعي للحصول على موافقة الإدارة الأمريكية للأغذية والأدوية (FDA) من خلال مكتب الابتكار وريادة الأعمال والتنمية الاقتصادية (SIEED) في جامعة قطر. وقد قدم الباحثون براءة اختراع لاختبار الدم الذي تم تحقيقه بنجاح، والمسموح به حديثًا في الولايات المتحدة.
حصل هذا المشروع على تمويل من خلال جائزة التأثير الكبير QUHIG-CMED-2021/22-1 من جامعة قطر والذي مُنح للبروفيسور نائلة رباني والبروفيسور بول ثورنالي.
والجدير بالذكر، يسعى قطاع العلوم الصحية والطبية في جامعة قطر جاهدًا ليكون قادة في تعليم المهن الصحية، والبحوث، والرعاية السريرية ، والمشاركة المجتمعية من خلال التعليم الصحي المتداخل والشراكة. هدفهم هو إلهام الأفراد وتمكينهم، مما يؤدي في النهاية إلى التميز والابتكار لمجتمعات صحتها أفضل. تم إطلاق قطاع العلوم الصحية والطبية عام 2017، تماشيا مع رؤية قطر الوطنية 2030 للتعليم والصحة ولمواكبة احتياجات الدولة المتقدمة وتلبية احتياجات نظام الرعاية الصحية. رؤيتهم تتمثل برغبتهم في أن يكونون رائدين في مجال التعليم الصحي المتداخل والأبحاث الصحية متعددة المجالات. وأن يصبح القطاع الخيار الأول للطلاب والباحثين والدافع الوطني للابتكار في هذا المجال. يضم القطاع خمس كليات (الطب، والأسنان، والصيدلة، والعلوم الصحية، والتمريض).
للمزيد من المعلومات حول هذه الدراسة، يرجى الاتصال بالبروفيسور نائلة رباني، كلية الطب، قطاع العلوم الصحية و الطبية ، جامعة قطر عبر البريد الإلكتروني n.rabbani@qu.edu.qa.