﷽
الحمد لله نور السماوات والأرض، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، وهو القائل في محكم تنزيله ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (الزمر 9)، وأصلّي وأسلّم على نبيّنا محمّد من بعث بالهدى ودين الحقّ رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه واستنّ بسنّته إلى يوم الدين.
أرحّب بزوّار الموقع الإلكتروني لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وأحيّيهم بتحيّة أهل الجنّة ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُۥ سَلَٰمٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ (الأحزاب 44). وأدعوكم لتصفّح أجزائه وستجدون في المعلومات التي نقدّمها لكم، والرؤية النّاظمة لها، ما يغيّر الصورة النّمطية المنتشرة بين الناس عن حامل العلم الشرعي التي ترسمه معرضا عن الدنيا زاهدا فيها غير محيط بقضاياها، مقبلا على الآخرة منقطعا لتلبية مطالب الروح متهيّئاً لما بعد الموت.
إنّنا نؤمن أن هذه المقابلة بين الحياة الدنيا والآخرة انحراف عن الفهم الصحيح للإسلام الحنيف الذي جعل المنازل في الآخرة تنال برحمة الله أوّلا ثمّ بما يقدّمه الإنسان من صالح الأعمال في الدنيا ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات:15-23].
هذا خطاب ربّنا عزّ وجلّ يصف ملامح الشخصية المؤمنة، ويرشدنا إلى أن كل عمل صالح سواء كان قياما لليل وتبتلا في المحاريب، أو ذكرا لله وتلاوة وتخشّعاً، أو مشياً في مناكب الأرض لإعمارها، أو قضاء لحاجات الناس، وكذا طلب العلم، والتفكّر في خلق الله، واكتشاف سنن الكون ونواميس الحياة، وإنتاج المعرفة، والتعارف بين الشعوب والأمم والتواصل فيما بينها... كل ذلك وما كان في حكمه سعي مشكور ما دام مرتبطا بالإيمان.
لقد صمّمنا برامجنا التي ستتصفحونها في الموقع بوعي ضمن منظور استراتيجي شامل، عملنا بمنهجية علمية على استجلائه مع شركاء المصلحة داخل الكلية وخارجها، حتى استوى على تصور ناضج صغناه في رؤيةٍ كليةٍ، ورسالةٍ جامعةٍ، وقيمٍ حاكمةٍ، وغاياتٍ كبرى، وأهدافٍ استراتيجيةٍ تطالعونها في فقرة "المنظور الاستراتيجي" ضمن بوّابة التعريف بالكلية "من نحن"..
ذلك التصوّر الكلّي فصلناه في برامج أكاديمية على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا، وفي تصوّر عميق لدور الكلية في الإنتاج البحثي في بوابة البحث ، وفي العناية بشؤون الطلبة ورعاية الطلبة الموهوبين والتواصل مع الخريجين، وفي خدمة المجتمع والتواصل مع أصحاب المصلحة كما في بوّابة التواصل والشراكات. ولا تغفل كليتكم وهي تباشر مهامّها على تلك الصّعُد جميعا عن طلب الجودة في أداء الأعمال وفي قياس المخرجات بما يتوافق وأرقى المعايير الدولية. كما لا تسهى عن المراجعة الدورية، والتفاكر الجماعي، طلبا للتطوير وحرصا على التحسين المستمر. فنحن ندرك أن الجودة في أعمالنا ليست محطّة ندركها لنركن إليها ونقنع بها، وإنّما جهد مستمر في طلب الأفضل لا يعرف التوقّف. مثلنا في ذلك كمثل "الحال المرتحل" كلما أدرك منزلة من الكمال ارتحل في طلب أخرى أعلى منها.
أبنائي وبناتي الطلبة والطالبات، لأجلكم وجدت الكلية، وأنتم مقصد خططها وبرامجها، ومهمّتنا أن نأخذ بأيديكم لتتقنوا مهارات التعلّم، ومناهج البحث، فتغوصوا بأنفسكم في بحار العلم والمعرفة لتنهلوا من كنوزها. وأن نعمل معكم لإعداد خريجين يجمعون بين الرسوخ العلمي الأصيل، والانفتاح البصير على مستجدات العصر وقضاياه، وإتقان مهارات الحياة المستجدّة التي تؤهّلكم لولوج سوق العمل بتنافسية عالية، ولخدمة مجتمعكم وأمّتكم بثقة واقتدار. وإنّ تلك الأهداف الطموحة لا تُنال بالأماني والرغبات وإنّما باكتساب الهِمّة العالية، وتمثّل القيم الحاكمة، وبذل الوسع في إنجاز الأعمال المستهدفة، واتباع الخطط المرسومة.
وحرصا على بلوغ تلك المراقي العليا تبذل الكلية وسعها في انتقاء نخبة متميّزة من أعضاء هيئة التدريس يتصفون بالرسوخ في مدارك تخصصاتهم الدقيقة، وبإتقان مهارات البحث العلمي والقدرة على إنتاج المعرفة، وبالريادة في أساليب التدريس والإحاطة التربوية بطلابهم، وبالقدرة على خدمة المجتمع المحلّي والمساهمة الفعّالة في برامج وخطط التنمية على المستويين الوطني والإقليمي. وتجمع الكلية أعلاماً من أهل الاختصاص من مختلف أنحاء العالم الإسلامي تتكامل جهودهم فيما بينهم داخل الكلية، وفي علاقة بالتخصصات العلمية الأخرى في بقية كليات الجامعة ومراكز البحوث، ليطوّروا مقررات وبرامج وأبحاثا بينية تتكامل فيها العلوم والمعارف، وتتضافر الأساليب والمناهج لتجعل من جامعة قطر بحق بيت خبرة متميّز ينشر العلم، ويخدم المجتمع، ويشعّ على العالم.
نؤمن أن الكلية ليست جزيرة معزولة عن بيئتها المجتمعية، ولا إطارا متعاليا بعلمه وخبراته عن بقية الهيئات والمؤسّسات، بل هي وليدة تلك البيئة وخادمة لها. إن اجتماع أصحاب العلم والخبرة في كليتنا يدعوهم للانفتاح على واقعهم؛ يحللون ظواهره، ويواجهون تحدياته، وينصتون لأصحاب الخبرة، ويقدّمون المشورة.. من أجل ذلك فإنّنا نريد لموقع الكلية أن يكون يدا ممدودة لكل من يرغب في التواصل معنا يطّلع على برامجنا، ويتابع أنشطتنا، ويشارك معنا بالرأي. ولا ترى الكلية تلك المشاركةَ من نوافل الأعمال تحضر حينا وتغيب أحيانا، وإنما هي ميزة أصيلة في منهجها تجعلها ضمن أهدافها، وتهيّئ الأطر الإدارية والتنظيمية الكفيلة بتفعيلها وضمان استمرارها. وإنّنا نرغب من شركائنا أن يكونوا على نفس الدرجة من الحرص والتفاعل معنا، ونرجو أن يكون هذا الموقع أداة فعّالة للتواصل بيننا وبينهم.
وختاما لا تستغني الكلية عن اقتراحاتكم وآرائكم التي نثمّنها ونعتبرها رافدا أساساً لتطوير أدائنا، وتسديد عملنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
الدكتور إبراهيم بن عبد الله الأنصاري
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية